تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ} (5)

وقوله تعالى : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ) لم يخرج لهذا الحرف جواب في الظاهر لأن جوابه أن يقول ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ) يفعل بك كذا .

ثم أهل التأويل اختلفوا في جوابه قال بعضهم : هو صلة قوله ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) يقول تعالى : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ) ( يُجَادِلُونَكَ ) كما كرهوا الخروج ، وجادلوك في قسمة الأنفال جادلوك في أمر الغيب[ في الأصل وم : الغير ] .

ومنهم من يقول : جوابه في قوله تعالى : ( إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ )[ الأنفال : 11 ] يقول : كما أجبتم الله في الخروج للقتال على غير تدبير منكم في ذلك ولا نظر . فعلى ذلك يجيبكم في النعاس ( أمنة منه ) وإنزال الماء من السماء والتطهير به وتثبيت الأقدام على غير علم منكم ولا تدبير .

ومنهم من يقول : [ جوابه في ][ ساقطة في الأصل وم ] قوله تعالى : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ) غير متأهبين للقتال ولا مستعدين له كذلك يعدكم النصر والظفر ، والله أعلم .

وقوله تعالى ( بالحق ) يحتمل وجوها : يحتمل ( بالحق ) الذي عليهم من الأمر بالخروج والقتال ، ويحتمل ( بالحق ) بالوعد الذي وعد لهم النصر والظفر وقال بعض أهل التأويل ( بالحق ) أي بالقرآن . ولإن [ في الأصل وم : ولكن ] كان فهو ما ذكرنا بالأمر الذي يأمر القرآن .

وقوله تعالى : ( وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ) يحتمل وجهين : يحتمل ( فريقا من المؤمنين ) في الظاهر وهم المنافقون كرهوا الخروج للقتال ، و يحتمل أن يكون المؤمنون في الحقيقة كرهوا الخروج للقتال كراهة الطبع لا كراهم الاختيار لم ا أمروا بالقتال [ غير متأهبين للقتال ][ ساقطة من الأصل وم ] ولا مستعدين ، فكرهت أنفسهم ذلك كراهة الطبع لما لم يكن أسباب القتال لا لأنهم [ في الأصل وم : أنهم ] كرهوا أمر الله كراهة الاختيار .

وفي هذه الآية دلالة أن الأمر قد يكون في الشيء وإن لم يعلم وقت الأمر في ما يؤمر . وفيه دليل جواز تأخر البيان لأنهم أمروا بالخروج للقتال ، ولم يعلموا وقت الخروج على ماذا يؤمرون ؟