تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (2)

وقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ/195-ب/ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) إلى آخر ما ذكر يحتمل وجوها . [ أحدهما ][ ساقطة من الأصل وم ] يحتمل قوله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين ) ظهر صدقهم عندكم بما ذكر من الأفعال من وجل القلب والخشية والثبات واليقين على ما كان عليه ، ليس كالمنافقين الذين كانوا مرتابين في إيمانهم كما وصفهم الله في آية أخرى [ في قوله ][ في الأصل وم : حيث قال ] : ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى )[ النساء : 142 ] وكانوا إذا أنفقوا أنفقوا كارهين ، وكانوا لا يذكرون الله إلا قليلا مراآة للناس .

وأما المومنون فهم الذين يومون بوفاء ذلك كله حقيقة ، فيظهر صدقهم بذلك ، وهو ما وصفهم في آية أخرى ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون )[ الحجرات : 15 ] .

والثاني[ في الأصل وم : و ] يحتمل أن يكون على الاعتقاد خاصة ، ليس على نفس العمل ؛ كأنه قال : إنما المؤمنون الذين اعتقدوا في إيمانهم ما ذكر من وجل القلوب والخشية عند ارتكاب المعصية والتقصير على القيام بما عليه . وما يرتكب المؤمن من المعاصي إنما يرتكب عن جهالة ، ثم يتوب عن قريب كقوله تعالى : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ )[ الحجرات : 17 ] يرتكب ذلك إما لغلبة شهوة ، وإما يعتقد التوبة من بعده ، وإما يرجو رحمة الله من فضله في العفو عن ذلك .

فيكون قوله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين ) اعتقدوا إيمانهم من الأفعال ، وهو كقوله تعالى : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم )[ التوبة : 5 ] هو الاعتقاد والقبول له أنهم إذا اعتقدوا ذلك ، وقبلوا يخلى سبيلهم . وإن لم يقيموا الصلاة وما ذكر فعلى ذلك الأفعال [ وهو كقوله تعالى ][ من م ، ساقطة من الأصل ] ( فإن تابوا )[ التوبة : 5 ] يحتمل ذلك .

والثالث[ في الأصل وم : والرابع ] : يحتمل قوله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين ) فعلوا هذا ، وأتوا بذلك كله . لكنهم أجمعوا أن من آمن بقلبه ، وصدق كان مؤمنا ، وإن لم يأت بغيره من الأفعال [ مثل من ][ في الأصل وم : نحوان ] يؤمن ، ثم يُحترم ، ويموت من ساعته ، مات مؤمنا . فدل أنه لم يخرج ذلك على الشرط لما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) يخرج على وجوه .

أحدها : يخبر أن المؤمنين هم [ في الأصل وم : هو ] على وصف ما ذكر .

والثاني[ في الأصل وم : أو ] يقول : إن المؤمنين الذين ينبغي أن يكونوا ما ذكر .

والثالث[ في الأصل وم : أو ] يقول : إنما المؤمنون المختارون ما ذكر جعل الله تعالى ما ذكر [ من ][ في الأصل وم : أو ] وجل القلب وغيره علما بين الذين حققوا الإيمان في الظاهر والباطن وبين الذين أظهروا الإيمان ، وأضمروا الكفر والخلاف . وكذلك ما ذكر في آية أخرى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا )[ النور : 62 ] .

وقوله تعالى : ( وإذا تليت عليهم آيته زادتهم إيمانا ) يحتمل قوله تعالى : ( آيته ) حججه وبراهينه ( وإذا تليت عليهم ) ذلك زادهم[ في الأصل وم : يزداد لهم ] ثباتا وقوة على ما كانوا .

وأما المنافقون فإن الآيات التي نزلت كانت [ تزيدهم ][ إشارة إلى قوله تعالى : ( فزادتهم رجسا إلى رجسهم ][ التوبة : 125 ] ، في الأصل وم : تزداد لهم بها ] رجسا وبعدا .

فإن [ المؤمنين يزيدهم ][ في الأصل وم : المؤمنون يزيد لهم ] ذلك تباتا وقوة . أو ذكر الزيادة لأن[ من م ، في الأصل : لا ] للإيمان حكم التجدد والحدوث في كل وقت وساعة . فإذا كان له حكم الحدوث والتجدد فهو زيادة على ما كان فإن شئت سميتها تباتا .

وقال أبو حنيفة ، رحمه الله : يزيد الإيمان بالتفسير على الإيمان بالجملة فإذا فسروا له[ في الأصل وم : لهم ] ، وقالوا فلان رسول نبي ازداد بذلك له إيمانا وإن كان قد آمن به بالجملة . وكذلك الإيمان بجميع الكتب والأمر ، وإن كنا نؤمن بالجملة ( له الخلق والأمر )[ الأعراف : 54 ] فإذا عرف ذلك الأمر زاد[ في الأصل وم : ازداد ] له إيمانا له في ذلك ، والله أعلم ، لأن من آمن بالله وأن ( له الخلق والأمر ) فقد أتى بعقدة الإيمان . فإذا جاء بالتفسير واحدا بعد واحد ازداد له إيمانه بالتفسير على إيمانه بالجملة .

وقوله تعالى : ( وعلى ربهم يتوكلون ) أي على ربهم يتكلون [ في الأصل و م : يتقون ] ، ويعتقدون في كل أمورهم ؛ لا يتكلون [ في الأصل وم : يكلون ] على غيره . إنما يتوكلون على الله وليسوا [ في الأصل وم : وليس ] كالمنافقين هم إنما يتوكلون على النعم التي أعطوا لقوله تعالى : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه )[ الحج : 11 ] ونحو ذلك .

وأما المؤمن فإنه في جميع أحواله يتوكل على الله ، ومنه يخاف ، وإن كان يصل ذلك إليه ويجري على يدي غيره فهو في الحقيقة من الله .