النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَكَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسۡتَ وَلِنُبَيِّنَهُۥ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (105)

قوله عز وجل : { وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يتلو بعضها بعضاً فلا ينقطع التنزيل .

والثاني : أن الآية تنصرف في معان متغايرة مبالغة في الإِعجاز ومباينة لكلام البشر .

والثالث : أنه اختلاف ما تضمنها من الوعد والوعيد والأمر والنهي ، ليكون أبلغ في الزجر ، وأدعى إلى الإِجابة ، وأجمع للمصلحة .

ثم قال تعالى : { وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ } وفي الكلام حذف ، وتقديره : ولئلا يقولوا درست ، فحذف ذلك إيجازاً كقوله تعالى :

{ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا }

[ النساء : 167 ] أي لئلا تضلوا .

وفي { دَرَسْتَ } خمس قراءات يختلف تأويلها بحسب اختلافها :

إحداهن : { دَرَسْتَ } بمعنى قرأت وتعلمت ، تقول ذلك قريش للنبي صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، وهي قراءة حمزة ، والكسائي .

والثانية : { دَارَسْتَ } بمعنى ذاكرت وقارأت ، قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير ، ومروي عن ابن عباس ، وهي قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو .

وفيها على هذه القراءة تأويل ثان ، أنها بمعنى خاصمت وجادلت .

والثالثة : { دَرَسَتْ } بتسكين التاء بمعنى انمحت وتقادمت ، قاله ابن الزبير ، والحسن ، وهي قراءة ابن عامر .

والرابعة : { دُرِسَتْ } بضم الدال لما لم يسم فاعله تليت وقرئت ، قاله قتادة .

والخامسة : { دَرَسَ } بمعنى قرأ النبي صلى الله عليه وسلم وتلا ، وهذا حرف أبي بن كعب ، وابن مسعود .

{ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْْلَمُونَ } يحتمل وجهين :

أحدهما : لقوم يعقلون .

والثاني : يعلمون وجوه البيان وإن لم يعلموا المبين .