ثم حكى شبه المنكرين بقوله { وكذلك } أي مثل ذلك التقرير البليغ { نصرف الآيات } نأتي بها متواترة حالاً بعد حال { وليقولوا } عطف على محذوف أي لتلزمهم الحجة وليقولوا أو متعلق بما بعده أي وليقولوا درست نصرفها . ومعنى { درست } قرأت وتعلمت من الدرس ، ومن قرأ { دارست } أي قرأت على اليهود وقرؤوا عليك وجرت بينك وبينهم مدارسة ومذاكرة . وأما قراءة ابن عامر { درست } فهي من الدروس بمعنى أن هذه الآيات قد درست وعفت أي هذه الأخبار التي تلوتها علينا من جملة أساطير القرون الخالية ، قالت العلماء : التركيب يدل على التذليل والتليين لأن من درس الكتاب فقد ذلله بكثرة القراءة ، ومنه قيل للثواب الخلق «دريس » ، لأنه قد لان فكأنه تعالى ذكر الوجه الذي لأجله صرف الآيات وهو أمران : أحدهما قوله { وليقولوا دارست } والثاني قوله { ولنبينه } أما الثاني فلا إشكال فيه لأنه بيّن أن الحكمة في هذا التصريف أن يظهر منه البيان والعلم والضمير في { لنبينه } للآيات لأنها في معنى القرآن ، أو يعود إلى القرآن وإن لم يجر له ذكر للعلم به ، أو إلى التبيين الذي هو مصدر الفعل نحو : ضربته زيداً أي ضربت الضرب زيداً . وأما الأول فقد أورد عليه أن قولهم للرسول { دارست } كفر منهم بالقرآن والرسول ، وعلى هذا فتعود مسألة الجبر والقدر ، أما الأشاعرة فأجروا الكلام على ظاهره وقالوا : معناه أنا ذكرنا هذه الدلائل حالاً بعد حال ليقول بعضهم دارست فيزدادوا كفراً على كفر ، ونبينه لبعض فيزدادوا إيماناً على إيمان كقوله { يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً } [ البقرة : 26 ] وأما المعتزلة فقال الجبائي منهم والقاضي : إن هذا الإثبات محمول على النفي والتقدير : نصرف الآيات لئلا يقولوا كقوله { يبين الله لكم أن تضلوا } [ النساء : 176 ] أي لئلا تضلوا . أو المراد لام العاقبة ، وزيف بأن حمل الإثبات على النفي تحريف لكلام الله وفتح هذا الباب يخرج الكتاب عن أن يكون حجة . وأيضاً إنه مناف للمقصود لأن إنزال الآيات نجماً فنجماً هو الذي أوقع الشبهة للقوم في أن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما أتى بالقرآن على سبيل المدارسة والمذاكرة مع أقوام آخرين ، ولهذا كانوا يقولون لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة . فالجواب الذي ذكره إنما يصح لو كان التصريف علة لأن يمتنعوا من هذا القول لكنه موجب له فسقط كلامهم ، وأيضاً حمل اللام على لام العاقبة مجاز ، وحمل الكلام على الحقيقة أولى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.