تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم خوفهم، فقال جل وعز: {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم}، ثم بين ما هو فقال جل وعز: {من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض} فتبتلعهم.
{أو نسقط عليهم كسفا من السماء} يعني جانبا من السماء فنهلكهم بها.
{إن في ذلك لآية} عبرة. {لكل عبد منيب} مخلص بالتوحيد.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: أفلم ينظر هؤلاء المكذّبون بالمعاد، الجاحدون البعث بعد الممات، القائلون لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم:"أفْتَرَى على اللّهِ كَذِبا أمْ بِهِ جِنّةٌ" إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض، فيعلموا أنهم حيث كانوا، فإن أرضي وسمائي محيطة بهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، فيرتدعوا عن جهلهم، وينزجروا عن تكذيبهم بآياتنا حذرا أن نأمر الأرض فتخسف بهم، أو السماء فتسقط عليهم قطعا، فإنّا إن نشأ نفعل ذلك بهم فعلنا... وقوله: "إنّ فِي ذلكَ لأية لِكُلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ "يقول تعالى ذكره: إن في إحاطة السماء والأرض بعباد الله لآية يقول: لدلالة "لكلّ عبد منيب" يقول: لكل عبد أناب إلى ربه بالتوبة، ورجع إلى معرفة توحيده، والإقرار بربوبيته، والاعتراف بوحدانيته، والإذعان لطاعته، على أن فاعل ذلك لا يمتنع عليه فعل شيء أراد فعله، ولا يتعذّر عليه فعل شيء شاءه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{أفلم يروا} ونحوه يخرّج على وجهين: أحدهما: قد رأوا على الخبر.
والثاني: على الأمر أن انظروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض.
وقتادة يقول: لينظروا كيف أحاطت بهم السماء والأرض، وهما واحد.
{إن نشأ نخسف بهم الأرض} كما خسفنا بمن قبلهم {أو نُسقط عليهم كسفا من السماء} أي عذابا من السماء كما أنزلنا على من قبلهم بالتكذيب والعناد.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «خسف الأرض» هو إهواؤها بهم، وتهورها، وغرقهم فيها.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إن نشأ} بما لنا من العظمة -على قراءة الجمهور {نخسف} أي نغور.
{إن في ذلك} أي في قدرتنا على ما نشاء من كل منهما والتأمل في فنون تصاريفهما {لآية} أي علامة بينة على أنا نعامل من شئنا فيهما بالعدل بأي عذاب أردنا، ومن شئنا بالفضل بأي ثواب أردنا، وذلك دال على أنا قادرون على كل ما نشاء من الإماتة والإحياء وغيرهما، فقد خسفنا بقارون وآله وبقوم لوط وأشياعهم، وأسقطنا من السماء على أصحاب الأيكة يوم الظلة قطعاً من النار، وعلى قوم لوط حجارة، فأهلكناهم بذلك أجمعين.
{لكل عبد} أي متحقق أنه مربوب ضعيف مسخر لما يراد منه.
{منيب} أي فيه قابلية الرجوع عما أبان له الدليل عن أنه زل فيه.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
استئنافٌ مسوق لتهويلِ ما اجترأوا عليه من تكذيبِ آياتِ الله تعالى واستعظامِ ما قالُوا في حقِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأنَّه من العظائمِ الموجبة لنزول أشدِّ العقاب وحلول أفظع العذاب من غير ريثٍ وتأخير.
{لّكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} شأنُه الإنابةُ إلى ربِّه فإنه إذا تأمَّلَ فيهما أو في الوحيِ المذكورِ ينزجرُ عن تعاطي القبائحِ وينيبُ إليه تعالى وفيه حثٌّ بليغٌ على التَّوبةِ والإنابة.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: خلق السماوات والأرض، وما فيهما من المخلوقات فكلما كان العبد أعظم إنابة إلى اللّه، كان انتفاعه بالآيات أعظم، لأن المنيب مقبل إلى ربه، قد توجهت إراداته وهماته لربه، ورجع إليه في كل أمر من أموره، فصار قريبا من ربه، ليس له هم إلا الاشتغال بمرضاته، فيكون نظره للمخلوقات نظر فكرة وعبرة، لا نظر غفلة غير نافعة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فخسف الأرض يقع ويشهده الناس، وترويه القصص والروايات أيضاً، وسقوط قطع من السماء يقع كذلك عند سقوط الشهب وحدوث الصواعق، وهم رأوا شيئاً من هذا أو سمعوا عنه، فهذه اللمسة توقظ الغفاة الغافلين، الذين يستبعدون مجيء الساعة، والعذاب أقرب إليهم لو أراد الله أن يأخذهم به في هذه الأرض قبل قيام الساعة، يمكن أن يقع بهم من هذه الأرض وهذه السماء التي يجدونها من بين أيديهم ومن خلفهم، محيطة بهم وليست بعيدة عنهم بعد الساعة المغيبة في علم الله، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الفاسقون...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هنا يجب الالتفات إلى جملة أمور:
(إنّ في ذلك لآية) لكنّها حدّدت (لكلّ عبد منيب) والإشارة تستبعد ذلك المتمرّس بالعصيان الذي خلع عن رقبته طوق العبودية لله سبحانه وتعالى، والغافلين الذين أداموا السير في الطريق الخاطئة الملوّثة بالخطايا واستبعدوا عن أذهانهم كلياً التوبة والإنابة، فهؤلاء أيضاً لا يمكنهم الانتفاع من هذه الآية المشرقة، لأنّ وجود الشمس الساطعة لا يكفي وحده لتحصل الرؤية، بل يستلزم أيضاً العين المبصرة وارتفاع الحجاب بينهما.
أعلم الله تعالى أن الذي قدر على خلق السموات والأرض وما فيهن قادر على البعث وعلى تعجيل العقوبة لهم ، فاستدل بقدرته عليهم ، وأن السموات والأرض ملكه ، وأنهما محيطتان بهم من كل جانب ، فكيف يأمنون الخسف والكسف . كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة . وقرأ حمزة والكسائي إن يشأ يخسف بهم الأرض أو يسقط " بالياء في الثلاث ؛ أي إن يشأ الله أمر الأرض فتنخسف بهم ، أو السماء فتسقط عليهم كسفا . الباقون بالنون على التعظيم . وقرأ السلمي وحفص " كسفا " بفتح السين . الباقون بالإسكان . وقد تقدم بيانه في " الإسراء " {[12959]} وغيرها . " إن في ذلك لآية " أي في هذا الذي ذكرناه من قدرتنا " لآية " أي دلالة ظاهرة . " لكل عبد منيب " أي تائب رجاع إلى الله بقلبه . وخص المنيب بالذكر لأنه المنتفع بالفكرة في حجج الله وآياته .
ولما كانوا قد أنكروا الساعة لقطعهم بأن من مزق كل ممزق لا يمكن إعادته ، فقطعوا جهلاً بأن الله تعالى لا يقول ذلك ، فنسبوا الصادق صلى الله عليه وسلم في الإخبار بذلك إلى أحد أمرين : تعمد الكذب أو الجنون . شرع سبحانه يدل على صدقه في جميع ما أخبر به ، فبدأ بإثبات قدرته على ذلك بما يشاهدون من قدرته على ما هو مثله ، أو أعظم منه مشيرا إلى أن إنكارهم لذلك مستند{[56424]} إلى ضلالهم بسبب غفلتهم عن تدبر الآيات ، فكان المعنى : ضلوا فلم يروا ، فدل عليه منكراً عليهم مهدداً لهم مقرراً لذوي العقول من السامعين بقوله : { أفلم يروا } ونبه على أنهم في محل بعد عن الإبصار النافع بحرف النهاية فقال : { إلى ما بين أيديهم } أي أمامهم { وما خلفهم } وذلك إشارة إلى جميع الجوانب من كل من الخافقين وأنهما{[56425]} قد أحاطا بهم كغيرهم . ولما لم تدع حاجة إلى الجمع أفرد فقال : { من السماء والأرض } أي اللذين جعلنا{[56426]} مطلع السورة أن لنا كل ما فيهما .
ولما كان الإنكار لائقاً{[56427]} بمقام العظمة ، فكان المعنى : إنا نفعل بهما وفيهما ما نشاء ، عبرعنه بقوله : { إن نشأ } بما لنا من العظمة - على قراءة الجمهور{[56428]} { نخسف } أي نغور { بهم } وأدغم الكسائي إلى أنه سبحانه قد يفعل ذلك في أسرع من اللمح بحيث يدرك لأكثر الناس وقد يفعله على وجه الوضوح وهو أكثر - بما أشارت إليه قراءة الإظهار للجمهور . ولما كان الخسف قد يكون لسطح أو سفينة ونحوهما ، خص الأمر بقوله{[56429]} : { الأرض } أي{[56430]} كما فعلنا بقارون وذويه{[56431]} لأنه ليس نفوذ بعض أفعالنا فيها بأولى من غيره{[56432]} { أو نسقط عليهم كسفاً } بفتح السين على قراءة حفص{[56433]} وبإسكانه على قراءة غيره أي قطعاً { من السماء } كذلك ليكون شديد الوقع لبعد الموقع المدى عن السحاب ونحوه{[56434]} لأن من المعلوم أنا نحن خلقناهما ، ومن أوجد شيئاً قدر على {[56435]}هذه وهذا{[56436]} ما أراد منه ، ومن جعل السياق للغيب - وهو{[56437]} حمزة والكسائي - رد الضمير على الاسم الأعظم الذي جعله مطلع السورة .
ولما كان هذا أمراً ظاهراً ، أنتج قوله مؤكداً لما لهم من إنكار البعث : { إن في ذلك } أي في{[56438]} قدرتنا على ما نشاء من كل منهما والتأمل في فنون تصاريفهما { لآية } أي علامة بينة على أنا نعامل من شئنا فيهما بالعدل بأي عذاب أردنا ، ومن شئنا بالفضل بأي ثواب أردنا ، وذلك دال على أنا قادرون على كل ما نشاء من الإماتة والإحياء وغيرهما ، فقد خسفنا بقارون وآله وبقوم لوط وأشياعهم ، وأسقطنا من السماء على أصحاب الأيكة يوم الظلة{[56439]} قطعاً من النار ، وعلى قوم لوط حجارة ، فأهلكناهم بذلك أجمعين{[56440]} . ولما كانت الآيات لا تنفع من طبع على العناد قال تعالى : { لكل عبد } أي متحقق أنه {[56441]}مربوب ضعيف{[56442]} مسخر لما يراد منه { منيب * } أي فيه قابلية الرجوع عما أبان له الدليل عن أنه زل فيه .