اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (9)

قوله : «أفَلَمْ » فيه الرأيان المشهوران ، قدّره الزمخشري أَعَمَوْا فَلَمْ يَرَوْا{[44163]} ، وغيره يدِّعِي أن الهمزة مقدمة على حرف العطف{[44164]} .

قوله : «مِنَ السَّمَاءِ » بيان للموصول ، فيتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون حالاً فيتعلق به أيضاً قيل : ( و ){[44165]} ثمَّ حال محذوفة تقديره : أفَلَمْ يَرَوْا إلَى كَذَا مَقْهُوراً تَحْتَ قُدْرَتِنَا ، أو مُحِيطاً{[44166]} بِهِمْ فَيَعْلَمُوا أنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا فإنَّ أرضي وسمائي محيطةٌ بهم لا يخرجون من أقطارها وأنا القادرُ عليهم{[44167]} .

قوله : «إنْ نَشَأ » قرأ الأخَوانِ يَشَأ يَخْسِفْ يُسْقِطْ بالياء في الثلاثة{[44168]} ، والباقون بنون العظمة فيها ، وهما واضِحَتَان ، وأدغم الكسائي الفاء في الباء{[44169]} واستضعفها الناس من حيث أدغم الأقوى في الأضعف{[44170]} ، قال الفارسي : وذلك لا يجوز لأن الباء أضعف في الصوت من الفاء فلا يدغم{[44171]} فيها وإن كانت الباء يدغم{[44172]} فيها نحو : اضْرِب فُلاَناً كما تدغم الباء في الميم كقولك : اضْرِب مالكاً وإن كانت الميم لا تدغم في الباء نحو : اضْمُمْ بكراً ؛ لأن{[44173]} الباء انحطت عن الميم بفقد الغُنَّةِ{[44174]} ، وقال الزمخشري : وليست بالقوية{[44175]} ، وهذا لا ينبغي لأنها تواترت{[44176]} .

فصل

لما ذكر الدليل بكونه عالم الغيب وكونه جازياً على السِّيئات والحسنات ذكر دليلاً آخر فيه التهديد والتوحيد فأما دليل التوحيد فذكره السماء والأرض فإنهما يدلان على الوحدانية كما تقدم مراراً ويدلان على الحشر والإعادة لأنهما يدلان على كمال القدرة بقوله تعالى : { أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بلى } [ يس : 81 ] وأما التهديد فقوله : { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السمآء } أي نجعل عين نافعهم ضارهم بالحق{[44177]} والكشف ثم قال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ } أي : فيما يرون من السماء والأرض آية تدل على قدرتنا على البعث { لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيب } تائب راجع الله بقلبه . ثم إنه تعالى لما ذكر من ينيب من عباده ذكر منهم من أناب وأصاب ومن جملتهم دَاوُد{[44178]} كما قال تعالى عنه : { فاستغفر رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } [ ص : 24 ] .


[44163]:ثقال ذلك في كشافه 3/281.
[44164]:هذا مذهب الجمهور. وانظر البحر المحيط 7/260 والمغني 16، والهمع 2/69.
[44165]:سقط من "ب".
[44166]:الدر المصون 4/415.
[44167]:معالم التنزيل للبغوي 5/282.
[44168]:وهي قراءة عيسى والأعمش وابن وثاب أيضا انظر البحر 7/260 والإتحاف 357 والسبعة 527 والقرطبي 14/264 والكشاف 3/281 والكشف 2/202.
[44169]:ذكر ذلك ابن مجاهد في السبعة 527 والبناء في الإتحاف 257 وأبو حيان في البحر 7/260.
[44170]:الدر المصون 4/415 ومن هؤلاء الناس كما أخبر هو أعلى الزمخشري والفارسي في كتابيهما الكشاف والحجة.
[44171]:في "ب" فلا تدغم بالتاء يقصد الباء.
[44172]:وفيها أيضا تدغم.
[44173]:في "ب" إلا أن.
[44174]:قال بذلك الفارسي في الحجة مع اختلاف طفيف في عبارته. الحجة 6/164، و 165 وأبو حيان في البحر 7/260.
[44175]:الكشاف 3/281.
[44176]:رد صحيح من المؤلف لأن القراءة سنة متبعة ويوجد فيها الفصيح والأفصح كما يقول أبو حيان وقد أجازها أبو البقاء في التبيان قال" والإدغام جائز، لأن الفاء والباء متقاربان" البحر المحيط 7/262.
[44177]:الأصح كما في الفخر الرازي بالخسف.
[44178]:الفخر الرازي 25/244 و 245.