السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (9)

ولما ذكر تعالى الدليل على كونه عالم الغيب وكونه مجازياً على السيئات والحسنات ، ذكر دليلاً آخر فيه التهديد والتوحيد بقوله تعالى : { أفلم يروا } أي : ينظروا { إلى ما بين أيديهم } أي : أمامهم { وما خلفهم } وذلك إشارة إلى جميع الجوانب من كلا الخافقين فقوله تعالى { من السماء والأرض } دليل التوحيد فإنهما يدلان على الوحدانية ، ويدلان على الحشر والإعادة لأنهما يدلان على كمال القدرة لقوله تعالى { أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم } ( يس ، 81 ) وأما دليل التهديد فقوله تعالى { إن نشأ } أي : بما لنا من العظمة { نخسف بهم الأرض } أي : كما فعلنا بقارون وذويه لأنه ليس نفوذ بعض أفعالنا فيه بأولى من غيره { أو نسقط عليهم كسفاً } أي : قطعاً { من السماء } فنهلكهم بها ، وقرأ حفص بفتح السين والباقون بسكونها .

تنبيه : في قوله تعالى { أفلم يروا } الرأيان المشهوران قدره الزمخشري أفعموا فلم يروا وغيره يدعي أن الهمزة مقدمة على حرف العطف ، وقوله { من السماء } بيان للموصول فيتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون حالاً فيتعلق به أيضاً قيل : وثم حال محذوفة تقديره : أفلم يروا إلى كذا مقهوراً تحت قدرتنا أو محيطاً بهم فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها ، وأنا القادر عليهم وقرأ حمزة والكسائي { إن يشأ يخسف بهم الأرض أو يسقط } بالياء في الثلاثة كقوله تعالى { افترى على الله كذباً } ( الأنعام : 21 ) والباقون بالنون ، وأدغم الكسائي الفاء في الباء وأظهرها الباقون { إن في ذلك } أي : فيما ترون من السماء والأرض { لآية } أي : علامة بينة تدل على قدرتنا على البعث { لكل عبد } أي : متحقق أنه مربوب ضعيف مسخر لما يراد منه { منيب } أي : فيه قابلية الرجوع إلى ربه بقلبه .