إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (9)

وقوله تعالى { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مّنَ السماء والأرض } استئنافٌ مسوق لتهويلِ ما اجترؤا عليه من تكذيبِ آياتِ الله تعالى واستعظامِ ما قالُوا في حقِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأنَّه من العظائمِ الموجبة لنزول أشدِّ العقاب وحلول أفظع العذاب من غير ريثٍ وتأخير . والفاءُ للعطفِ على مقدَّرٍ يقتضيه المقامُ وقوله تعالى { إِن نشَأْ } الخ ، بيانٌ لما يُنبئ عنه ذكرُ إحاطتِهما بهم من المحذورِ المتوقَّعِ من جهتهما وفيه تنبيهٌ على أنَّه لم يبقَ من أسباب وقوعِه إلا تعلُّقُ المشيئةِ به أي فعلُوا ما فعلُوا من المنكر الهائلِ المستتبع للعُقوبة فلم ينظروا إلى ما أحاطَ بهم من جميع جوانبهم بحيثُ لا مفرَّ لهم عنه ولا محيصَ إنْ نَشَأْ جرياً على موجب جناياتِهم { نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض } كما خسفناها بقارونَ { أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً } أي قِطعاً { مّنَ السماء } كما أسقطناها على أصحابِ الأَيْكةِ لاستيجابهم ذلك بما ارتكبُوه من الجرائم . وقيل : هو تذكيرٌ بما يُعاينونَهُ ممَّا يدلُّ على كمال قُدرتِه وما يحتمل فيه إزاحة لاستحالتِهم البعث حتى جعلُوه افتراء وهُزؤاً وتهديداً عليها ، والمعنى أعمُوا فلم ينظروا إلى ما أحاطَ بجوانبهم من السَّماءِ والأرضِ ولم يتفكَّروا أهمْ أشدُّ خلقاً أم هي وإنْ نَشَأْ نخسف بهم الأرض أو نُسقط عليهم كِسفاً لتكذيبِهم بالآياتِ بعد ظهورِ البيِّنات فتأمَّلْ وكن على الحقِّ المُبين . وقرئ يَخسف ويَسقط بالياء لقوله تعالى : { أفترى عَلَى الله } [ سورة سبأ ، الآية8 ] وكِسْفاً بسكون السِّينِ { إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي فيما ذُكر من السَّماء والأرضِ من حيث إحاطتُهما بالنَّاظرِ من جميع الجوانب أو فيما تُلي من الوحيِ النَّاطقِ بما ذُكر { لآيَةً } واضحةً { لّكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } شأنُه الإنابةُ إلى ربِّه فإنه إذا تأمَّلَ فيهما أو في الوحيِ المذكورِ ينزجرُ عن تعاطي القبائحِ وينيبُ إليه تعالى وفيه حثٌّ بليغٌ على التَّوبةِ والإنابة وقد أكدَّ ذلك بقولِه تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً }