فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (9)

ثم وبخهم سبحانه بما اجترأوا عليه من التكذيب مبينا لهم أن ذلك لم يصدر منهم إلا لعدم التكفير والتدبر في خلق السماء والأرض ، وأن من قدر على هذا الخلق العظيم لا يعجزه أن يبعث من مخلوقاته ما هو دون ذلك ويعيده إلى ما كان عليه من الذات والصفات فقال : { أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ } والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، والمعنى أعموا فلم يروا ومن المعلوم أن مابين يدي الإنسان هو كل ما يقع نظره عليه من غير أن يحول وجهه إليه وخلفه هو كل ما لا يقع نظره عليه حتى يحول نظره إليه فيعم الجهات كلها أي أنهم إذا نظروا رأوا السماء قدامهم وخلفهم ، وكذلك إذا نظروا إلى الأرض رأوها خلفهم وقدامهم ، فالسماء والأرض محيطتان بهم فهو القادر على أن ينزل بهم ما شاء من العذاب بسبب كفرهم وتكذيبهم لرسوله . وإنكارهم للبعث .

فهذه الآية اشتملت على أمرين :

أحدهما : أن هذا الخلق الذي خلق الله من السماء والأرض يدل على كمال القدرة على ما هو دونه من البعث كما في قوله { أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم } .

والأمر الآخر : التهديد لهم بأن من خلق السموات والأرض على هذه الهيئة التي قد أحاطت بجميع المخلوقات فيهما قادر على تعجيل العذاب لهم كما قال :

{ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ } كما خسفنا بمن كان قبلهم كقارون { أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا } أي قطعا { مِّنَ السَّمَاء } كما أسقطها على أصحاب الأيكة فكيف يأمنون ذلك ، وقال قتادة : إن يشأ أن يعذب بسمائه فعل ، وإن يشأ أن يعذب بأرضه فعل ، وكل خلقه له جند ، قرئ بالنون وبالتحتية في الأفعال الثلاثة .

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } المذكور المرئي من خلق السماء والأرض من حيث إحاطتهما بالناظرين من جميع الجوانب { لآيَةً } واضحة ودلالة بينة .

{ لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } أي راجع إلى ربه بالتوبة والإخلاص ، وخص المنيب لأنه المنتفع بالتفكر ، وقال قتادة : منيب أي تائب مقبل إلى الله ، وقال هنا : لآية بالتوحيد ، وفيما بعد ذلك لآيات يجمعها لأن – ما – هنا إشارة إلى إحياء الموتى فناسب التوحيد . وما بعد إشارة إلى سبأ قبيلة تفرقت في البلاد فصاروا فرقا فناسب الجمع .