البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (9)

{ أفلم يروا } : أي هؤلاء الكفار الذين لا يؤمنون بالآخرة ، { إلى ما بين أيديهم } : أي حيث ما تصرفوا ، فالسماء والأرض قد أحاطتا بهم ، ولا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما ، ولا يخرجوا عن ملكوت الله فيهما .

وقال الزمخشري : أعموا فلم ينظروا ، جعل بين الفاء والهمزة فعلاً يصح العطف عليه ، وهو خلاف ما ذهب إليه النحويون من أنه لا محذوف بينهما ، وأن الفاء للعطف على ما قبل همزة الاستفهام ، وأن التقدير فالم ، لكن همزة الاستفهام لما كان لها الصدر قدمت ، وقد رجع الزمخشري إلى مذهب النحويين في ذلك ، وقد رددنا عليه هذا المذهب فيما كتبناه في ( شرح التسهيل ) .

وقفهم تعالى على قدرته الباهرة ، وحذرهم إحاطتها بهم على سبيل الإهلاك لهم ، وكان ثم حال محذوفة ، أي أفلا يرون إلى ما يحيط بهم من سماء وأرض مقهور تحت قدرتنا نتصرف فيه كما نريد ؟

{ إن نشأ نخسف بهم الأرض } ، كما فعلنا بقارون ، { أو نسقط عليهم كسفاً من السماء } ، كما فعلنا بأصحاب الظلة ، أو { أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم } محيطاً بهم ، وهم مقهورون تحت قدرتنا ؟ { إن في ذلك } النظر إلى السماء والأرض ، والفكر فيهما ، وما يدلان عليه من قدرة الله ، { لآية } : لعلامة ودلالة ، { لكل عبد منيب } : راجع إلى ربه ، مطيع له .

قال مجاهد : مخبت .

وقال الضحاك : مستقيم .

وقال أبو روق : مخلص في التوحيد .

وقال قتادة : مقبل إلى ربه بقلبه ، لأن المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كل شيء من البعث ومن عقابه من يكفر به .

وقرأ الجمهور : إن نشأ نخسف ونسقط بالنون في الثلاثة ؛ وحمزة والكسائي ، وابن وثاب ، وعيسى ، والأعمش ، وابن مطرف : بالياء فيهن ؛ وأدغم الكسائي الفاء في الباء في نخسف بهم .

قال أبو علي : وذلك لا يجوز ، لأن الباء أضعف في الصوت من الفاء ، فلا تدغم فيها ، وإن كانت الباء تدغم في الفاء ، نحو : اضرب فلاناً ، وهذا ما تدغم الباء في الميم ، كقولك : اضرب مالكاً ، ولا تدغم الميم في الباء ، كقولك : اصمم بك ، لأن الباء انحطت عن الميم بفقد الغنة التي في الميم .

وقال الزمخشري : وقرأ الكسائي نخسف بهم ، بالإدغام ، وليست بقوية . انتهى .

والقراءة سنة متبعة ، ويوجد فيها الفصيح والأفصح ، وكل ذلك من تيسيرة تعالى القرآن للذكر ، فلا التفات لقول أبي علي ولا الزمخشري .