روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (9)

وقوله تعالى :

{ أَفَلَمْ يَرَوْاْ إلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مّنَ السماء والأرض إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ } قيل : هو استئناف مسوق لتذكيرهم بما يعاينون مما يدل على كمال قدرته عز وجل وتنبيههم على ما يحتمل أن يقع من الأمور الهائلة في ذلك إزاحة لاستحالتهم الإحياء حتى قالوا ما قالوا فيمن أخبرهم به وتهديداً على ما اجترؤوا عليه ، والمعنى أعموا فلم ينظروا إلى ما أحاط بجوانبهم من السماء والأرض ولم يتفكروا أنهم أشد خلقاً أم هي وأنا إن نشأ نخسف بهم الأرض كما خسفناها بقارون أو نسقط عليهم كسفاً أي قطعاً من السماء كما أسقطنا على أصحاب الأيكة لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات وهو تفسير ملائم للمقام إلا أن ربط قوله تعالى إن نشأ الخ بما قبله بالطريق الذي ذكره بعيد . وفي البحر أنه تعالى وقفهم في ذلك على قدرته الباهرة وحذرهم احاطة السماء والأرض بهم وكأن ثم حالا محذوفة أي أفلا يرون إلى ما يحيط بهم من سماء وأرض مقهوراً تحت قدرتنا تنصرف فيه كما نريد إن نشأ نخسف بهم الأرض الخ أو فلم ينظروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم محيطاً بهم وهم مقهورون فيما بينه إن نشأ الخ ولا يخلو عن شيء ، وقال العلامة أبو السعود : إن قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَرَوْاْ } الخ استئناف مسوق لتهويل ما اجترؤوا عليه من تكذيب آيات الله تعالى واستعظام ما قالوا في حقه عليه الصلاة والسلام وأنه من العظائم الموجبة لنزول أشد العقاب وحلول أفظع العذاب من غير ريث وتأخير ، وقوله تعالى : { إِن نَّشَأْ } الخ بيان لما ينبئ عنه ذكر إحاطتهما بهم من المحذور المتوقع من جهتهما وفيه تنبيه على أنه لم يبق من أسباب وقوعه إلا تعلق المشيئة به أي فعلوا ما فعلوا من المنكر الهائل المستتبع للعقوبة فلم ينظروا إلى ما أحاط بهم من جميع جوانبهم بحيث لا مفر لهم عنه ولا محيص إن نشأ جرياً على موجب جناياتهم نخسف الخ ، ولا يخفى أن فيه بعدا وضعف ربط بالنسبة إلى ما سمعت أولا مع أن ما بعد ليس فيه كثير ملائمة لما قبله عليه ، ويخطر لي أن قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَرَوْاْ } مسوق لتذكيرهم بإظهار شيء لهم بحيث أنهم يعاينونه أينما التفتوا ولا يغيب عن أبصارهم حيثما ذهبوا يدل على كمال قدرته عز وجل إزاحة لما دعاهم إلى ذلك الاستهزاء والوقيعة بسيد الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام من زعمهم قصور قدرته تعالى عن البعث والأحياء ضرورة إن من قدر على خلق تلك الإجرام العظام لا يعجزه إعادة أجسام هي كلا شيء بالنسبة إلى تلك الإجرام كما قال سبحانه { أَوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } [ يس : 81 ] وفيه من التنبيه على مزيد جهلهم المشار إليه بالضلال البعيد ما فيه ، وقوله تعالى : { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي فيما ذكر مما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض { لآيَةً } أي لدلالة واضحة على كمال قدرة الله عز وجل وأنه لا يعجزه البعث بعد الموت وتفرق الأجزاء المحاطة بهما { لّكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } أي راجع إلى ربه تعالى مطيع له جل شأنه لأن المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله عز وجل والتفكر فيها كالتعليل لما يشعر به قوله سبحانه : { أَفَلَمْ يَرَوْاْ } الخ من الحث على الاستدلال بذلك على ما يزيح إنكارهم البعث وفيه تعريض بأنهم معرضون عن ربهم سبحانه غير مطيعين له جل وعلا وتخلص إلى ذكر المنيبين إليه تعالى على قول ، وقوله تعالى : { إِن نَّشَأْ } كالاعتراض جيء به لتأكيد تقصيرهم والتنبيه على أنهم بلغوا فيه مبلغاً يستحقون به في الدنيا فضلاً عن الأخرى نزول أشد العقاب وحلول أفظع العذاب وأنه لم يبق من أسباب ذلك إلا تعلق المشيئة به إلا أنها لم تتعلق لحكمة ، وظني أنه حسن وتحتمل الآية غير ذلك والله تعالى أعلم بأسرار كتابه ، وقيل : إن ذلك إشارة إلى مصدر يروا وهو الرؤية وذكر لتأويله بالنظر والمراد به الفكر ، وقيل إشارة إلى ما تلى من الوحي الناطق بما ذكر . وقرأ حمزة . والكسائي . وابن وثاب . وعيسى . والأعمش . وابن مصرف { يَشَإِ } بالياء فيهن وأدغم الكسائي الفاء في الباء في { يَخْسِفَ * بِهِمُ } قال أبو علي : ولا يجوز ذلك لأن الباء أضعف في الصوت من الفاء فلا تدغم فيها وإن كانت الباء تدغم في الفاء نحو اضرب فلاناً وهذا كما تدغم الباء في الميم نحو اضرب مالكاً ولا تدغم الميم في الباء نحو اضمم بك لأن الباء انحطت عن الميم بفقد الغنة التي فيها ، وقال الزمخشري : قرأ الكسائي { يَخْسِفَ بِهِمُ } بالإدغام وليست بقوية ، وأنت تعلم أن القراءة سنة متبعة ويوجد فيها الفصيح والأفصح وذلك من تيسير الله تعالى القرآن للذكر وما أدغم الكسائي إلا عن سماع فلا التفات إلى قول أبي على ولا الزمخشري .