الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَفَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَىٰ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِن نَّشَأۡ نَخۡسِفۡ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ نُسۡقِطۡ عَلَيۡهِمۡ كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (9)

قوله : { أَفَلَمْ } : فيه الرأيان المشهوران : قدَّره الزمخشري : أعَمُوْا فلم يَرَوْا ، وغيرُه يَدَّعِي أن الهمزةَ مقدَّمةٌ على حرفِ العطف .

قوله " من السماء " بيانٌ للموصولِ فتتعلَّقُ بمحذوفٍ . ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً فتتعلَّقَ به أيضاً . قيل : وثَمَّ حالٌ محذوفةٌ تقديرُه : أفلم يَرَوْا إلى كذا مقهوراً تحت قدرتِنا أو مُحيطاً بهم . ثم قال : إنْ نَشَأْ .

قوله : " إنْ نَشَأْ " قرأ الأخَوان " يَشَأْ " يَخْسِفْ ، يُسْقِطْ ، بالياء في الثلاثة . والباقون بنون العظمة فيها ، وهما واضحتان . وأدغم الكسائيُّ الفاءَ في الباء ، واستضعفها الناسُ من حيث أدغم الأَقْوى في الأضعفِ . قال الفارسي : " وذلك لا يجوز ؛ لأنَّ الباءَ أضعفُ في الصوت من الفاءِ فلا تُدْغم فيها ، وإنْ كانت الباءُ تُدْغم فيها نحو : " اضربْ فلاناً " كما تُدْغَمُ الباءُ في الميم كقولك : اضربْ مالِكاً ، وإن كانت الميمُ لا تُدْغَمُ في الباءَ نحو : " اضمُمْ بكراً " ؛ لأنَّ الباءَ انحطَّتْ عن الميم بفَقْد الغُنَّة " . وقال الزمخشري : " وليست بالقويةِ " ، وهذا لا ينبغي لأنها تواتَرَتْ .

قوله : " يا جِبالُ " مَحْكِيٌّ بقولٍ مُضْمَرٍ . ثم إنْ شِئْتَ قَدَّرْتَه مصدراً . ويكونُ بدلاً مِنْ " فَضْلاً " على جهةِ تفسيرِه به كأنه قيلَ : آتَيْناه فَضْلاً قولَنا : يا جبالُ ، وإنْ شِئْتَ قَدَّرْتَه فِعْلاً . وحينئذٍ لك وجهان : إنْ شِئْتَ جَعَلْتَه بدلاً مِنْ " آتَيْنا " وإنْ شِئْتَ جَعَلْتَه مستأنفاً .

قوله : " أَوِّبِيْ " العامَّةُ على فتحِ الهمزةِ وتشديدِ الواوِ ، أمراً من التَّأْوِيْب وهو التَّرجِيْع . وقيل : التسبيحُ بلغةِ الحبشة . والتضعيفُ يحتملُ أَنْ يكونَ للتكثيرِ . واختار الشيخ أَنْ يكونَ للتعدِّي . قال : " لأنهم فَسَّروه ب رَجِّعي معه التسبيحَ " . ولا دليلَ ؛ لأنه تفسيرُ معنى . وقرأ ابنُ عباس والحسنُ وقتادة وابن أبي إسحاق " أُوْبي " بضمِّ الهمزةِ وسكونِ الواو أمراً مِنْ آب يَؤُوْبُ أي : ارْجِعي معه بالتسبيح .