الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَقَدۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِي فَٱضۡرِبۡ لَهُمۡ طَرِيقٗا فِي ٱلۡبَحۡرِ يَبَسٗا لَّا تَخَٰفُ دَرَكٗا وَلَا تَخۡشَىٰ} (77)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"وَلَقَدْ أوْحَيْنا" إلى نبينا "مُوسَى "إذ تابعنا له الحجج على فرعون، فأبى أن يستجيب لأمر ربه، وطغى وتمادى في طغيانه "أنْ أسْرِ" ليلاً "بِعبادِي" يعني بعبادي من بني إسرائيل، "فاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقا فِي البَحْرِ يَبَسا" يقول: فاتخذ لهم في البحر طريقا يابسا...

وأما قوله: "لا تَخافُ دَرَكا وَلا تَخْشَى" فإنه يعني: لا تخاف من فرعون وجنوده أن يدركوك من ورائك، ولا تخشى غرقا من بين يديك ووَحَلاً.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{لا تخاف دركا ولا تخشى} أي لا تخاف لحوق فرعون وجنوده، ولا تخشى غرق البحر...

ليس على النهي، ولكن على رفع الخوف عنه، والأمن عن أن يدركهم، ويلحقهم. ألا ترى أنه {قال أصحاب موسى إنا لمدركون} {قال كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 61 و62].

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي} دلالة على أن موسى عليه السلام في تلك الحالة كثر مستجيبوه. فأراد الله تعالى تمييزهم من طائفة فرعون وخلاصهم فأوحى إليه أن يسري بهم ليلا.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ولقد أوحينا} أي بعظمتنا لتسهيل ما يأتي من الأمور الكبار {إلى موسى} غير مكترثين لشيء من أقوال فرعون ولا أفعاله، وهذا الإيحاء بعد ما تقدم من أمر السحرة بمدة مديدة جرت فيها خطوب طوال كانت بسببها الآيات الكبار، وكأنها حذفت لما تدل عليه من قساوة القلوب، والمراد هنا الانتهاء لما تقدم من مقصود السورة {أن أسر} أي ليلاً، لأن السري سير الليل؛ وشرفهم بالإضافة إليه فقال: {بعبادي} أي بني إسرائيل الذين لفت قلب فرعون حتى أذن في مسيرهم بعد أن كان قد أبى أن يطلقهم أو يكف عنهم العذاب، فاقصد بهم ناحية بحر القلزم {فاضرب لهم} أي اعمل بضرب البحر بعصاك، ولذلك سماه ضرباً...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

وفي التعبير عن بني إسرائيل "بعبادي "إظهار للعناية بأمرهم والرحمة لهم، وتنبيه إلى قبح صنيع فرعون بهم، إذ قد استبعدهم، وفعل بهم من ضروب الظلم ما فعل، ولم يراقب فيهم مولاهم الحق.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

لما ظهر موسى بالبراهين على فرعون وقومه، مكث في مصر يدعوهم إلى الإسلام، ويسعى في تخليص بني إسرائيل من فرعون وعذابه، وفرعون في عتو ونفور، وأمره شديد على بني إسرائيل ويريه الله من الآيات والعبر، ما قصه الله علينا في القرآن، وبنو إسرائيل لا يقدرون أن يظهروا إيمانهم ويعلنوه، قد اتخذوا بيوتهم مساجد، وصبروا على فرعون وأذاه، فأراد الله تعالى أن ينجيهم من عدوهم، ويمكن لهم في الأرض ليعبدوه جهرا، ويقيموا أمره، فأوحى إلى نبيه موسى أن سر أو سيروا أول الليل، ليتمادوا في الأرض.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولا يذكر السياق هنا ما الذي كان بعد مواجهة الإيمان للطغيان في موقف السحرة مع فرعون. ولا كيف تصرف معهم بعدما اعتصموا بإيمانهم مستقبلين التهديد والوعيد بقلب المؤمن المتعلق بربه، المستهين بحياة الأرض وما فيها ومن فيها. إنما يعقب بهذا المشهد. مشهد الانتصار الكامل ليتصل النصر القلبي بالنصر الواقعي. وتتجلى رعاية الله لعباده المؤمنين كاملة حاسمة.. ولنفس الغرض لا يطيل هنا في مشهد الخروج والوقوف أمام البحر -كما يطيل في سور أخرى- بل يبادر بعرض مشهد النصر بلا مقدمات كثيرة. لأن مقدماته كانت في الضمائر والقلوب.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

افتتاح الجملة بحرف التحقيق للاهتمام بالقصة ليلقي السامعون إليها أذهانهم. وتغيير الأسلوب في ابتداء هذه الجملة مؤذن بأن قصصاً طويت بين ذكر القصتين، فلو اقتصر على حرف العطف لتوهّم أن حكاية القصة الأولى لم تزل متصلة فتُوهم أن الأمر بالخروج وقع موالياً لانتهاء مَحْضَر السحرة، مع أن بين ذلك قصصاً كثيرة ذُكرت في سورة الأعراف وغيرها، فإن الخروج وقع بعد ظهور آيات كثيرة لإرهاب فرعون كلما همّ بإطلاق بني إسرائيل للخروج. ثمّ نكَل إلى أن أذن لهم بأخَرَة فخرجوا ثمّ ندم على ذلك فأتبعهم. فجملة {ولقَدْ أوْحَيْنَا إلى موسى} ابتدائية، والواو عاطفة قصة على قصة وليست عاطفة بعض أجزاء قصة على بعض آخر. و {اسْرِ} أمرٌ من السُرَى بضم السين وفتح الراء وتقدّم في سورة الإسراء أنه يقال: سَرَى وأسرى. وإنما أمره الله بذلك تجنّباً لنكول فرعون عليهم. والإضافة في قوله {بِعِبَادي} لتشريفهم وتقريبهم والإيماءِ إلى تخليصهم من استعباد القبط وأنهم ليسُوا عبيداً لفرعون...

و {لا تخافُ} مرفوع في قراءة الجمهور، وعدٌ لموسى اقتصر على وعده دون بقية قومه لأنه قدوتهم، فإذا لم يخف هو تشجعوا وقوي يقينهم، فهو خبر مراد به البُشرى... وأما قوله {وَلاَ تخشى}... والخشية: شدّة الخوف. وحذف مفعوله لإفادة العموم، أي لا تخشى شيئاً، وهو عامّ مراد به الخصوص، أي لا تخشى شيئاً مما يخشى من العدوّ ولا من الغرق.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادي} إلى أرض الحرية الجديدة بعيداً عن سطوة فرعون، فإذا لم تستطع أن تحصل على الإذن منه بأن يرسل معك بني إسرائيل، فتقدم لتتسلم زمام المبادرة من دون حاجة إلى إذنه، لأنك لم تعد بحاجة إليه بعد أن أصبحت في موقف القوة، وأصبح هو في موقف الضعف. وستجد أمامك معجزة جديدة، فستدخل البحر من دون أن يكون هناك جسر تقطعه، ولا سفينة تُقِلُّكَ وقومك، وسيحوّل الله البحر إلى أرض يابسة حتى تنتهي إلى الشاطئ الآخر، فَسْرِ بقومك، {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً} فإذا ضربت البحر بعصاك فسينشق الماء أمامك، وتبدو الأرض بشكل مفاجئ معجز، {لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَى} لأنك تسير بأمان الله، فلا تخاف نقصاً ولا تخشى ملاحقة ومضايقة من فرعون وقومه...