فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِي فَٱضۡرِبۡ لَهُمۡ طَرِيقٗا فِي ٱلۡبَحۡرِ يَبَسٗا لَّا تَخَٰفُ دَرَكٗا وَلَا تَخۡشَىٰ} (77)

{ ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى ( 77 ) فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم ( 78 ) وأضل فرعون قومه وما هدى ( 79 ) يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ( 80 ) كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ( 81 ) وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ( 82 ) } .

{ ولقد أوحينا إلى موسى } هذا شروع في إنجاء بني إسرائيل وإهلاك عدوهم ، وقد تقدم في البقرة والأعراف ، وفي يونس ، واللام في لقد هي الموطئة للقسم ، وفي ذلك من التأكيد ما لا يخفى { أن أسر بعبادي } أي أسر بهم ليلا من مصر إلى البحر ، وقد تقدم هذا مستوفى .

{ فاضرب } أي اجعل { لهم طريقا } واشرعه ، وقيل طريقا مفعول به على سبيل المجاز بأن يكون المعنى إضراب البحر لينفلق لهم فيصير طريقا لهم فعلى هذا تصح نسبة الضرب إلى الطريق ؛ والمراد بالطريق جنسه ، فإن الطرق كانت اثنتي عشرة بعدد أسباط بني إسرائيل { في البحر يبسا } أي يابسا وصف به الفاعل مبالغة ، وذلك أن الله تعالى أيبس لهم تلك الطريق ، ومرت عليه الصّبا فجففته حتى لم يكن فيها ماء ولا طين قاله محمد بن كعب ومجاهد ، وقرئ بسكون الباء مخففا من يبسا المحرك وهو مصدر أو جمع يابس كصحب وصاحب وصف به الواحد مبالغة .

{ ولا تخاف دركا } أي آمنا من أن يدرككم العدو من ورائكم ، والدرك اللحاق بهم من فرعون وجنوده ، وبه قال ابن عباس قرأ الجمهور لا تخاف وهي أرجح لعدم الجزم في قوله سبحانه : { ولا تخشى } أي من فرعون أو من البحر أن يغرقك