الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{يَوۡمَئِذٖ يَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتٗا لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (6)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أشْتاتا } قيل : إن معنى هذه الكلمة التأخير بعد { لِيُرَوْا أعمالَهُمْ } قالوا : ووجه الكلام : يومئذٍ تحدّث أخبارها بأن ربك أوحى لها لِيُرَوا أعمالهم ، يومئذٍ يصدر الناس أشتاتا . قالوا : ولكنه اعترض بين ذلك بهذه الكلمة . ومعنى قوله : { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أشْتاتا } عن موقف الحساب فِرَقا متفرّقين ، فآخذ ذات اليمين إلى الجنة ، وآخذ ذات الشمال إلى النار .

وقوله : { لِيُرَوْا أعمالَهُمْ } يقول : يومئذ يصدر الناس أشتاتا متفرّقين ، عن اليمين وعن الشمال ، لِيُرَوا أعمالهم ، فيرى المحسن في الدنيا ، المطيع لله عمله وما أعدّ الله له يومئذ من الكرامة على طاعته إياه كانت في الدنيا ، ويرى المسيء العاصي لله عمله ، وجزاء عمله ، وما أعدّ الله له من الهوان والخزي في جهنم ، على معصيته إياه كانت في الدنيا ، وكفره به .

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقيل : معنى رؤية الأعمال المعرفة بها عند تلك الحال ، وهي رؤية القلب ، ويجوز أن يكون التأويل على رؤية العين ، بمعنى ليروا صحائف أعمالهم ، يقرؤون ما فيها ...وقيل : ليروا جزاء أعمالهم حسب ما قدمناه . وقيل : يرى الكافر حسناته فيتحسر عليها ، لأنها محبطة ، ويرى المحسن سيئاته مكفرة وحسناته مثبتة . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

يصدرون عن مخارجهم من القبور إلى الموقف { أَشْتَاتاً } بيض الوجوه آمنين ؛ وسود الوجوه فزعين . أو يصدرون عن الموقف أشتاتاً يتفرق بهم طريقا الجنة والنار ، ليروا جزاء أعمالهم . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ يومئذ } أي إذ كان ما تقدم وهو حين يقوم الناس من القبور { يصدر } أي يرجع رجوعاً هو في غاية السرعة والاهتداء إلى الموضع الذي ينادون منه ، لا يغلط أحد منهم فيه ، ولا يضل عنه { الناس } من قبورهم إلى ربهم الذي كان لهم بالمرصاد ليفصل بينهم { أشتاتاً } أي متفرقين بحسب مراتبهم في الذوات والأحوال ، من مؤمن وكافر ، وآمن وخائف .... { ليروا } أي يرى الله المحسن منهم والمسيء بواسطة من يشاء من جنوده ، أو بغير واسطة حين يكلم سبحانه وتعالى كل أحد من غير ترجمان ولا واسطة كما أخبر بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم . { أعمالهم } فيعلموا جزاءها ، أو صادرين عن الموقف كل إلى داره ليرى جزاء عمله . ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

نرى مشهدهم شتيتا منبعثا من أرجاء الأرض ( كأنهم جراد منتشر ) . . وهو مشهد لا عهد للإنسان به كذلك من قبل . مشهد الخلائق في أجيالها جميعا تنبعث من هنا ومن هناك : ( يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ) . . وحيثما امتد البصر رأى شبحا ينبعث ثم ينطلق مسرعا ! لا يلوي على شيء ، ولا ينظر وراءه ولا حواليه : ( مهطعين إلى الداع )ممدودة رقابهم ، شاخصة أبصارهم . ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) . إنه مشهد لا تعبر عن صفته لغة البشر . هائل مروع . مفزع . مرعب . مذهل . . . كل أولئك وسائر ما في المعجم من أمثالها لا تبلغ من وصف هذا المشهد شيئا مما يبلغه إرسال الخيال قليلا يتملاه بقدر ما يملك وفي حدود ما يطيق ! ( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ) . . ( ليروا أعمالهم ) . . وهذه أشد وأدهى . . إنهم ذاهبون إلى حيث تعرض عليهم أعمالهم ، ليواجهوها ، ويواجهوا جزاءها . ومواجهة الإنسان لعمله قد تكون أحيانا أقسى من كل جزاء . وإن من عمله ما يهرب من مواجهته بينه وبين نفسه ، ويشيح بوجهه عنه لبشاعته حين يتمثل له في نوبة من نوبات الندم ولذع الضمير . فكيف به وهو يواجه بعمله على رؤوس الأشهاد ، في حضرة الجليل العظيم الجبار المتكبر ? ! إنها عقوبة هائلة رهيبة . . مجرد أن يروا أعمالهم ، وأن يواجهوا بما كان منهم ! ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«أشتات » جمع «شتّ » على وزن شط وهو المتفرق والمبعثر . أي إنّ النّاس يردون ساحة المحشر متفرقين مبعثرين . وقد يكون التفرق والتبعثر لورود أهل كلّ دين منفصلين عن الآخرين . أو قد يكون لورود أهل كلّ نقطة من نقاط الأرض بشكل منفصل . أو قد يكون لورود جماعة بأشكال جميلة مستبشرة ، وجماعة بوجوه عبوسة مكفهرة إلى المحشر . أو إن كلّ اُمّة ترد مع إمامها وقائدها كما في قوله تعالى : { يوم ندعوا كلّ أناس بإمامهم } . أو أنّ يحشر المؤمنون مع المؤمنين ، والكافرون مع الكافرين . الجمع بين هذه التفاسير ممكن تماماً ؛ لأنّ مفهوم الآية واسع . «يصدر » من الصدور ، وهو خروج الإبل من بركة الماء مجتمعة هائجة وعكسه الورود . وهي هنا كناية عن خروج الأقوام من القبور وورودهم على المحشر للحساب . ويحتمل أيضاً أن يكون صدور النّاس في الآية من المحشر والتوجه نحو مستقرهم في الجنّة أو النّار . المعنى الأوّل أكثر تناسباً مع الآيات السابقة . المقصود من عبارة { ليروا أعمالهم } هل هو : ليروا جزاء أعمالهم . أو ليروا صحيفة أعمالهم وما سجل فيها من حسنات وسيئات أو المشاهدة الباطنية ، بمعنى المعرفة بكيفية الأعمال . أو أنّها تعني «تجسم الأعمال » ورؤية الأعمال نفسها ؟ ! التّفسير الأخير أنسب مع ظاهر الآية . وهذه الآية أوضح الآيات الدالة على تجسم الأعمال . حيث تتخذ الأعمال في ذلك اليوم أشكالاً تتناسب مع طبيعتها ، وتنتصب أمام صاحبها . وتكون رفقتها سروراً وانشراحاً أو عذاباً وبلاءً . ...