المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (5)

5- وقد تفضل اللَّه عليكم - أيها العباد - فخلق لكم الإبل والبقر والضأن والمعز لتتخذوا من أصوافها وأوبارها وأشعارها ما تستدفئون به ، ومن لحومها تأكلون ما يحفظ حياتكم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (5)

يجوز أن يعطف { الأنعام } عطف المفرد على المفرد عطفاً على { الإنسان } [ سورة النحل : 4 ] ، أي خلق الإنسان من نطفة والأنعامَ ، وهي أيضاً مخلوقة من نطفة ، فيحصل اعتبار بهذا التكوين العجيب لشبهه بتكوين الإنسان ، وتكون جملة خلقها } بمتعلقاتها مستأنفة ، فيحصل بذلك الامتنان .

ويجوز أن يكون عطف الجملة على الجملة ، فيكون نصب { الأنعام } بفعل مضمر يفسّره المذكور بعده على طريقة الاشتغال . والتقدير : وخلق الأنعام خلقها . فيكون الكلام مفيداً للتأكيد لقصد تقوية الحكم اهتماماً بما في الأنعام من الفوائد ؛ فيكون امتناناً على المخاطبين ، وتعريضاً بهم ، فإنهم كفروا نعمة الله بخلقها فجعلوا من نتاجها لشركائهم وجعلوا لله نصيباً . وأي كفران أعظم من أن يتقرّب بالمخلوقات إلى غير من خلقها . وليس في الكلام حصر على كلا التقديرين .

وجملة { لكم فيها دفء } في موضع الحال من الضمير المنصوب في { خلقها } على كلا التقديرين ؛ إلا أن الوجه الأول تمام مقابلة لقوله تعالى : { خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين } [ سورة النحل : 4 ] من حيث حصول الاعتبار ابتداء ثم التعريض بالكفران ثانياً ، بخلاف الوجه الثاني فإن صريحه الامتنان ، ويحصل الاعتبار بطريق الكناية من الاهتمام .

والمقصود من الاستدلال هو قوله تعالى : { والأنعام خلقها } وما بعده إدماج للامتنان .

و { الأنعام } : الإبل ، والبقر ، والغنم ، والمعز . وتقدم في سورة الأنعام . وأشهر الأنعام عند العرب الإبل ، ولذلك يغلب أن يطلق لفظ الأنعام عندهم على الإبل .

والخطاب صالح لشمول المشركين ، وهم المقصود ابتداء من الاستدلال ، وأن يشمل جميع الناس ولا سيما فيما تضمّنه الكلام من الامتنان .

وفيه التفات من طريق الغيبة الذي في قوله تعالى : { عما يشركون } [ سورة النحل : 3 ] باعتبار بعض المخاطبين .

والدِّفء بكسر الدال اسم لما يتدفّأ به كالمِلْء و الحِمْل . وهو الثياب المنسوجة من أوبار الأنعام وأصوافها وأشعارها تتّخذ منها الخيام والملابس .

فلمّا كانت تلك مادة النسج جعل المنسوج كأنه مظروف في الأنعام .

وخص الدفء بالذكر من بين عموم المنافع للعناية به .

وعطف { منافع } على { دفء } من عطف العام على الخاص لأن أمر الدفء قلّما تستحضره الخواطر .

ثم عطف الأكلُ منها لأنه من ذواتها لا من ثمراتها .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{والأنعام}، يعنى الإبل، والبقر، والغنم، {خلقها لكم فيها دفء}، يعني: ما تستدفئون به من أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا، {ومنافع} في ظهورها، وألبانها، {ومنها تأكلون}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

ومن حججه عليكم أيها الناس ما خلق لكم من الأنعام، فسخرها لكم، وجعل لكم من أصوافها وأوبارها وأشعارها ملابس تدفئون بها، ومنافع من ألبانها، وظهورها تركبونها.

{ومنها تأكلون} يقول: ومن الأنعام ما تأكلون لحمه كالإبل والبقر والغنم وسائر ما يؤكل لحمه. وحذفت "ما "من الكلام لدلالة من عليها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل قوله: {خلقها لكم} على الظاهر أن خلق هذه الأشياء لنا {فيها دفء ومنافع} كقوله: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} (البقرة: 29) وقوله: {وسخر لكم ما في السماوات ومال في الأرض جميعا منه} (الجاثية: 13).

ويحتمل قوله: {والأنعام خلقها} أي هو خلقها، ثم أخبر أنها {لكم فيها دفء ومنافع} بذكر أنواع المنافع والنعم التي أنعم علينا مفسرة مبينة واحدة بعد واحدة في هذه السورة وفي غيرها من السور. إنما ذكرها مجملة غير مشار إلى كل واحدة منها على ما أشار إليها في هذه السورة ليقوموا بشكره، وليعلموا قدرته على خلق هذه الأشياء لا من الأشياء.

{فيها دفء}... الدفء: ما استدفأت به. ويشبه أن يكون تفسير الدفء والمنافع التي ذكر ما فسر في آية أخرى، وهو قوله: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم} الآية (النحل: 80) جعل الله عز وجل الأنعام وما ذكر وقاية جميع أنواع الأذى من السماوي وغيره مما يهيج من الأنفس من الحر والبرد والجوع وغير ذلك مما يكثر عددها، ويطول أمدها وذكرها.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

الدفء: هو الحر المعتدل الذي يكون في بدن الإنسان من الدثار.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{الأنعام} الأزواج الثمانية، وأكثر ما تقع على الإبل، وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر، كقوله: {والقمر قدرناه} [يس: 39] ويجوز أن يعطف على الإنسان، أي: خلق الإنسان والأنعام، ثم قال: {خَلَقَهَا لَكُمْ} أي ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان والدفء: اسم ما يدفأ به، كما أنّ الملء اسم ما يملأ به، وهو الدفاء من لباس معمول من صوف أو وبر أو شعر... {ومنافع} هي نسلها ودرّها وغير ذلك.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما صار التوحيد بذلك كالشمس، وكان كل ما في الكون -مع أنه دال على الوحدانية- نعمة على الإنسان يجب عليه شكرها، شرع يعدد ذلك تنبيهاً له على وجوب الشكر بالتبرؤ من الكفر، فقال مقدماً الحيوانات لأنها أشرف من غيرها، وقدم منها ما ينفع الإنسان لأنه أجلّ من غيره. مبتدئاً بما هو أولاها بالذكر لأنه أجلّها منفعة في ضرورات المعيشة وألزمها لمن أنزل الذكر بلسانهم: {والأنعام} أي الأزواج الثمانية: الضأن والمعز والإبل والبقر {خلقها} غير ناطقة ولا مبينة مع كونها أكبر منكم خلقاً وأشد قوة.

ولما كان أول ما يمكن أن يلقى الإنسان عادة من نعمها اللباس، بدأ به، فقال على طريق الاستئناف: {لكم فيها دفء} أي ما يدفأ به فيكون منه حر معتدل من حر البدن الكائن بالدثار بمنع البرد، وثنى بما يعم جميع نعمها التي منها اللبن فقال: {ومنافع} ثم ثلث بالأكل لكونه بعد ذلك فقال تعالى: {ومنها تأكلون} وقدم الظرف دلالة على أن الأكل من غيرها بالنسبة إلى الأكل منها مما لا يعتد به.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وفي بيئة كالبيئة التي نزل فيها القرآن أول مرة، وأشباهها كثير؛ وفي كل بيئة زراعية والبيئات الزراعية هي الغالبة حتى اليوم في العالم.. في هذه البيئة تبرز نعمة الأنعام، التي لا حياة بدونها لبني الإنسان. والأنعام المتعارف عليها في الجزيرة كانت هي الإبل والبقر والضأن والمعز. أما الخيل والبغال والحمير فللركوب والزينة ولا تؤكل والقرآن إذ يعرض هذه النعمة هنا ينبه إلى ما فيها من تلبية لضرورات البشر وتلبية لأشواقهم كذلك: ففي الأنعام دفء من الجلود والأصواف والأوبار والأشعار، ومنافع في هذه وفي اللبن واللحم وما إليها. ومنها تأكلون لحما ولبنا وسمنا، وفي حمل الأثقال إلى البلد البعيد لا يبلغونه إلا بشق الأنفس.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

يريد الله للناس أن يلتقوا به من خلال مفردات حياتهم اليومية، حيث تشكل الحيوانات الأليفة بما تتضمنه من منافع للناس على مستوى المأكل والمشرب والملبس والتنقل، جزءاً أساسياً من مفردات تلك الحياة، وحيث يمكنهم أن يتحسسوا فقرهم المطلق لله وحاجتهم المطلقة إليه ويشعرون بالتالي بحضوره الشامل الدقيق في حياتهم، فيزدادون إيماناً به، ويفكرون بالعودة إليه، عندما يغريهم الشيطان بالابتعاد عنه، لأنهم لا يملكون الانفصال عنه، لارتباط حياتهم كلها به. وبهذا يتحول الإحساس بالمادّة، إلى عنصر فاعلٍ في نموّ الجانب الروحي في شخصية الإنسان، لما تتضمنه من عظمة تشير إلى عظمة الله في خلقه، ولما تدل عليه من نعمة تشير إلى رحمة الله، الأمر الذي يجعل من المادة شيئاً روحياً في المعنى والإيحاء، بعد أن كانت شيئاً مادّياً في الشكل والصورة، وبهذا نستطيع أن نحرّك المعاني الروحية في كل مظاهر المادّة في الحياة، كأسلوب تربويّ متوازن، لا يلغي في المادّة خصائصها المادية، في ما يفرضه العلم من وعيٍ للقوانين الطبيعيّة التي تحكمها في وجودها التكويني، ولكنه ينفذ إلى داخل تلك القوانين ليبصر فيها معنى القدرة والحكمة والرحمة والنعمة التي توحي للإنسان بالمعنى الإلهيّ الكامن في سرّ الأشياء.