فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (5)

ثم عقب ذكر خلق الإنسان بخلق الأنعام لما فيها من النفع لهذا النوع ، فالامتنان بها أكمل من الامتنان بغيرها ، فقال : { والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ } وهي : الإبل ، والبقر ، والغنم ، وأكثر ما يقال : نعم وأنعام للإبل ، ويقال للمجموع ، ولا يقال للغنم مفردة ، ومنه قول حسان :

وكانت لا يزال بها أنيس *** خلال مروجها نعم وشاء

فعطف الشاء على النعم ، وهي هنا الإبل خاصة . قال الجوهري : والنعم : واحد الأنعام ، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل . ثم لما أخبر سبحانه بأنه خلقها لبني آدم بين المنفعة التي فيها لهم فقال : { فِيهَا دِفْء } الدفء : السخانة ، وهو ما استدفئ به من أصوافها وأوبارها وأشعارها . والجملة في محلّ النصب على الحال { ومنافع } معطوف على { دفء } وهي : درّها وركوبها ونتاجها ، والحراثة بها ونحو ذلك . وقد قيل : إن الدفء : النتاج واللبن . قال في الصحاح : الدفء نتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها ، ثم قال : والدفء أيضاً : السخونة ، وعلى هذا فإن أريد بالدفء المعنى الأوّل فلا بدّ من حمل المنافع على ما عداه مما ينتفع به منها ، وإن حمل على المعنى الثاني كان تفسير المنافع بما ذكرناه واضحاً ؛ وقيل : المراد بالمنافع النتاج خاصة ؛ وقيل : الركوب { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي : من لحومها وشحومها . وخصّ هذه المنفعة بالذكر مع دخولها تحت المنافع لأنها أعظمها . وقيل : خصها لأن الانتفاع بلحمها وشحمها تعدم عنده عينها بخلاف غيره من المنافع التي فيها ، وتقديم الظرف المؤذن بالاختصاص للإشارة إلى أن الأكل منها هو الأصل ، وغيره نادر .

/خ9