الأولى : قوله تعالى : " والأنعام خلقها لكم " لما ذكر الإنسان ذكر ما من به عليه . والأنعام : الإبل والبقر والغنم . وأكثر ما يقال : نعم وأنعام للإبل ، ويقال للمجموع ولا يقال للغنم مفردة . قال حسان :
عَفَتْ ذاتُ الأصابع فالجِوَاءُ *** إلى عذراءَ منزلُها خَلاَءُ{[9791]}
ديار من بني الحَسحاس قَفْرٌ *** تُعَفِّيهَا الرَّوَامِسُ والسَّمَاءُ{[9792]}
وكانت لا يزال بها أنيس *** خلالَ مُرُوجها نَعَمٌ وشَاءُ
فالنعم هنا الإبل خاصة . وقال الجوهري : والنعم واحد الأنعام وهي المال الراعية ، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل . قال الفراء : هو ذكر لا يؤنث ، يقولون : هذا نعم وارد ، ويجمع على نُعْمان مثل حمل وحُمْلان . والأنعام تذكر وتؤنث ، قال الله تعالى : " مما في بطونه{[9793]} " [ النحل :66 ] . وفي موضع " مما في بطونها{[9794]} " [ المؤمنون : 21 ] . وانتصب الأنعام عطفا على الإنسان ، أو بفعل مقتدر ، وهو أوجه .
الثانية : قوله تعالى : " دفء " الدفء : السخانة ، وهو ما استدفئ به من أصوافها وأوبارها وأشعارها ، ملابس ولحف وقطف{[9795]} . وروي عن ابن عباس : دفؤها نسلها ، والله أعلم . قال الجوهري في الصحاح : الدفء نتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها ، قال الله تعالى : " لكم فيها دفء " . وفي الحديث ( لنا من دفئهم ما سلّموا بالميثاق ) . والدفء أيضا السخونة ، تقول منه : دفئ الرجل دفاءة مثل كره كراهة . وكذلك دفئ دفأ مثل ظمئ ظمأ . والاسم الدفء بالكسر وهو الشيء الذي يدفئك ، والجمع الأدفاء . تقول : ما عليه دفء ؛ لأنه اسم . ولا تقول : ما عليك دفاءة ؛ لأنه مصدر . وتقول : اقعد في دفء هذا الحائط أي ركنه . ورجل دفئ على فعل إذا لبس ما يدفئه . وكذلك رجل دفآن وامرأة دفأى . وقد أدفأه الثوب وتدفأ هو بالثوب واستدفأ به ، وادَّفأ به وهو افتعل ، أي ما لبس ما يدفئه . ودفؤت ليلتنا ، ويوم دفيء على فعيل وليلة دفيئة ، وكذلك الثوب والبيت . والمدفئة الإبل الكثيرة ؛ لأن بعضها يدفئ بعضا بأنفاسها ، وقد يشدد . والمدفأة الإبل الكثيرة الأوبار والشحوم ، عن الأصمعي . وأنشد الشماخ :
وكيف يضيعُ صاحبُ مُدْفَآتٍ *** على أَثْبَاجِهِنَّ من الصَّقِيعِ{[9796]}
قوله تعالى : " ومنافع " قال ابن عباس : المنافع نسل كل دابة . مجاهد : الركوب والحمل والألبان واللحوم والسمن . " ومنها تأكلون " أفرد منفعة الأكل بالذكر لأنها معظم المنافع . وقيل : المعنى ومن لحومها تأكلون عند الذبح .
الثالثة : دلت هذه الآية على لباس الصوف ، وقد لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله كموسى وغيره . وفي حديث المغيرة : فغسل وجهه وعليه جبة من صوف شامية ضيقة الكمين . . . الحديث ، خرجه مسلم وغيره . قال ابن العربي : وهو شعار المتقين ولباس الصالحين وشارة الصحابة والتابعين ، واختيار الزهاد والعارفين ، وهو يلبس لينا وخشنا وجيدا ومقاربا{[9797]} ورديئا ، وإليه نسب جماعة من الناس الصوفية ؛ لأنه لباسهم في الغالب ، فالياء للنسب والهاء للتأنيث . وقد أنشدني بعض أشياخهم بالبيت المقدس طهره الله :
تشاجر الناس في الصُّوفي واختلفوا *** فيه وظنوه مشتقا من الصوفِ
ولست أنحَلُ هذا الاسم غيرَ فتى *** صافى فصُوفِي حتى سُمِّيَ الصوفي
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.