إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلۡأَنۡعَٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِيهَا دِفۡءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ} (5)

روي أن أُبيَّ بنَ خلفٍ الجُمَحي أتى النبيَّ عليه السلام بعظم رميم فقال : يا محمد أترى الله تعالى يحيي هذا بعد ما قد رمّ فنزلت { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون } .

{ والأنعام } وهي الأزواجُ الثمانية من الإبل والبقر والضأن والمعَزِ ، وانتصابُها بمضمر يفسره قوله تعالى : { خَلَقَهَا } أو بالعطف على الإنسان ، وما بعده بيانُ ما خُلق لأجله والذي بعده تفصيلٌ لذلك ، وقوله تعالى : { لَكُمْ } إما متعلقٌ بخلَقها ، وقوله : { فِيهَا } خبرٌ مقدم ، وقوله : { دِفْء } مبتدأٌ وهو ما يُدفأ به فيقي من البرد ، والجملةُ حالٌ من المفعول أو الظرفُ الأول خبرٌ للمبتدأ المذكور ، وفيها حال من دفء إذ لو تأخر لكان صفة { ومنافع } هي دَرّها ورُكوبها وحملُها والحِراثة بها وغيرُ ذلك ، وإنما عبّر عنها بها ليتناول الكل مع أنه الأنسب بمقام الامتنان بالنعم ، وتقديمُ الدفء على المنافع لرعاية أسلوب الترقي إلى الأعلى { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } أي تأكُلون ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم وغيرِ ذلك ، وتغييرُ النظم للإيماء إلى أنها لا تبقى عند الأكل كما في السابق واللاحقِ ، فإن الدفءَ والمنافعَ والجَمال يحصل منها وهي باقيةٌ على حالها ، ولذلك جُعلت محالَّ لها بخلاف الأكل ، وتقديمُ الظرف للإيذان بأن الأكلَ منها هو المعتادُ المعتمدُ في المعاش لأن الأكلَ مما عداها من الدجاج والبط وصيد البرِّ والبحرِ من قبيل التفكّه مع أن فيه مراعاةً للفواصل ، ويحتمل أن يكون معنى الأكلِ منها أكلَ ما يحصل بسببها فإن الحبوبَ والثمارَ المأكولة تُكتسب بإكراء الإبلِ وبإثمار نِتاجها وألبانها وجلودها .