و «الفراش » : طير دقيق يتساقط في النار ويقصدها ، ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يحترق ، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «أنا آخذ بحجزكم عن النار ، وأنتم تقتحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب{[11958]} » ، وقال الفراء : «الفراش » في الآية : غوغاء الجراد ، وهو صغيره الذي ينتشر في الأرض والهواء ، و { المبثوث } هنا معناه : المتفرق ، جمعه وجملته موجودة متصلة ، وقال بعض العلماء : الناس أول قيامهم من القبور { كالفراش المبثوث } ؛ لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام ، يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر فهم حينئذ كالجراد المنتشر ؛ لأن الجراد إنما توجهه إلى ناحية مقصودة .
{ يوم } مفعول فيه منصوب بفعل مضمر دل عليه وصف القارعة لأنه في تقدير : تَقْرع ، أو دل عليه الكلام كله فيقدر : تكون ، أو تحصل ، يوم يكون الناس كالفراش .
وجملة : { يوم يكون الناس } مع متعلقها المحذوف بيان للإِبهامين اللذين في قوله : { ما القارعة } [ القارعة : 2 ] وقوله : { وما أدراك ما القارعة } [ القارعة : 3 ] .
وليس قوله : { يوم يكون الناس } خبراً عن { القارعة } إذ ليس سياق الكلام لتعيين يوم وقوع القارعة .
والمقصود بهذا التوقيت زيادة التهويل بما أضيف إليه { يوم } من الجملتين المفيدتين أحوالاً هائلة ، إلا أن شأن التوقيت أن يكون بزمان معلوم ، وإذ قد كان هذا الحال الموقت بزمانه غير معلوم مَداه . كان التوقيت لهُ إطماعاً في تعيين وقت حصوله إذ كانوا يَسألون متى هذا الوعد ، ثم توقيته بما هو مجهول لهم إبهاماً آخر للتهويل والتحذير من مفاجأته ، وأبرز في صورة التوقيت للتشويق إلى البحث عن تقديره ، فإذا باء الباحث بالعجز عن أخذ بحيطة الاستعداد لحلوله بما ينجيه من مصائبه التي قرَعتْ به الأسماع في آي كثيرة .
فحصل في هذه الآية تهويل شديد بثمانية طرق : وهي الابتداء باسم القارعة ، المؤذن بأمر عظيم ، والاستفهام المستعمل في التهويل ، والإِظهار في مقام الإِضمار أول مرة ، والاستفهامُ عما ينْبىءُ بكنه القارعة ، وتوجيهُ الخطاب إلى غير معين ، والإِظهار في مقام الإِضمار ثاني مرة ، والتوقيتُ بزمان مجهولٍ حصوله وتعريف ذلك الوقت بأحوال مهولة .
والفَراش : فرخ الجَراد حين يخرُج من بيضه من الأرض يَركب بعضه بعضاً وهو ما في قوله تعالى : { يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر } [ القمر : 7 ] . وقد يطلق الفراش على ما يطير من الحشرات ويتساقط على النار ليْلاً وهو إطلاق آخر لا يناسب تفسيرُ لفظ الآية هنا به .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر عنها ، فقال :{ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } يقول : إذا خرجوا من قبورهم تجول بعضهم في بعض ، فشبههم بالفراش المبثوث .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره : القارعة يوم يكون الناس كالفَراش ، وهو الذي يتساقط في النار والسراج ، ليس ببعوض ولا ذباب ، ويعني بالمبثوث : المفرّق ... وكان بعض أهل العربية يقول : معنى ذلك : كغوغاء الجراد ، يركب بعضه بعضا ، كذلك الناس يومئذ ، يجول بعضهم في بعض .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
اختلفوا في تأويله من وجوه ، لكنه في الحاصل يرجع إلى معنى واحد : فمنهم من قال : أي كالجراد المنتشر حين أرادت الطيران ، ومنهم من قال : كالجراد الذي يموج بعضهم في بعض ، ومنهم من قال : { كالفراش المبثوث } الذي يتهافت في النار ، فيحترق . وكل ذلك يؤدي معنى الحيرة والاضطراب من هول ذلك اليوم . وأصل ذلك قوله تعالى : { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } ( الحج : 2 ) فكأن الله تعالى قال : إنهم يصيرون في الحيرة من هول ذلك اليوم وشدته كالطائر الذي لا يدري أين يطير ؟ وأين يثبت ؟ وأين ينزل ؟ ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
...والمبثوث : المتفرق في الجهات ، كأنه محمول على الذهاب فيها ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار والضعف والذلة ، والتطاير إلى الداعي من كل جانب ، كما يتطاير الفراش إلى النار ... وفي أمثالهم : أضعف من فراشة ، وأذل وأجهل . وسمى فراشا : لتفرّشه وانتشاره .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «الفراش » : طير دقيق يتساقط في النار ويقصدها ، ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يحترق ... وقال بعض العلماء : الناس أول قيامهم من القبور { كالفراش المبثوث } ؛ لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام ، يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر فهم حينئذ كالجراد المنتشر ؛ لأن الجراد إنما توجهه إلى ناحية مقصودة .
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فحصل في هذه الآية تهويل شديد بثمانية طرق : وهي الابتداء باسم القارعة ، المؤذن بأمر عظيم ، والاستفهام المستعمل في التهويل ، والإِظهار في مقام الإِضمار أول مرة ، والاستفهامُ عما ينْبئ بكنه القارعة ، وتوجيهُ الخطاب إلى غير معين ، والإِظهار في مقام الإِضمار ثاني مرة ، والتوقيتُ بزمان مجهولٍ حصوله وتعريف ذلك الوقت بأحوال مهولة . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«الفراش » جمع فراشة ، وهي الحشرة المعروفة ذات الألوان الزاهية ، وقيل : إنّها الجراد . ويبدو أنّ هذا المعنى مستلهم من قوله تعالى حيث يصف النّاس يوم القيامة : { كأنّهم جراد منتشر } ، لكن المعنى اللغوي للكلمة هو الحشرة المعروفة . والتشبيه بالفراش قد يكون لأن هذه الحشرات تلقي بنفسها بشكل جنوني في النّار ، وهذا ما يفعله أهل السيئات ؛ إذ يلقون بأنفسهم في جهنّم . ويحتمل أن يكون التشبيه لما يصيب جميع النّاس في ذلك اليوم من حيرة . وإن كان الفراش بمعنى الجراد ، فوجه التشبيه هو أنّ الجراد خلافاً لكل الحيوانات التي تطير بشكل جماعي ليس لها مسير مشخص في حركتها ، وكل منها يطير في اتجاه . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.