قوله : { يَوْمَ يَكُونُ } . في ناصب «يَوْمَ » أوجه :
أحدها : مضمر يدلّ عليه القارعة ، أي : تقرعهم يوم يكون ، وقيل : تقديره : تأتي القارعة يوم .
الثاني : أنه " اذكر " مقدراً ، فهو مفعول به لا ظرف .
الثالث : أنه «القَارِعَةُ » ، قاله ابن{[60744]} عطية ، وأبو البقاء{[60745]} ، ومكيٌّ .
قال أبو حيان{[60746]} : فإن كان عنى ابن عطيَّة اللفظ الأول ، فلا يجوز ، للفصل بين العاملين وهو في صلة «أل » ، والمعمول بأجنبي ، وهو الخبر ، وإن جعل القارعة علماً للقيامة ، فلا يعمل أيضاً ، وإن عنى الثاني والثالث ، فلا يلتئم معنى الظرفية معه .
الرابع : أنه فعل مقدر رافع للقارعة الأولى ، كأنه قيل : تأتي القارعة يوم يكون . قاله مكي . وعلى هذا يكون ما بينهما اعتراضاً ، وهو بعيد جداً ، منافر لنظم الكلامِ .
وقرأ زيد{[60747]} بن علي : «يَوْمُ » بالرفع ، خبراً لمبتدأ محذوف ، أي : وقتها يوم .
قوله : «كالفَراشِ » . يجوز أن يكون خبراً للناقصة ، وأن يكون حالاً من فاعل التامة ، أي : يؤخذون ويحشرون شبه الفراش ، وهو طائر معروف .
وقال قتادة : الفراش : الطَّير الذي يتساقط في النار والسراج ، الواحدة : فراشة .
وقال الفراءُ : هو الهمج من البعوض والجراد وغيرهما ، وبه يضرب المثل في الطّيش والهوج ، يقال : أطيش من فراشة ؛ وأنشد : [ البسيط ]
5288- فَراشَةُ الحِلْمِ فِرعَوْنُ العَذابُ وإنْ *** يَطلُبْ نَداهُ فَكَلْبٌ دُونَهُ كُلُبُ{[60748]}
5289- وقَدْ كَانَ أقْوَامٌ رَدَدْتَ قُلوبَهُمْ*** عَليْهِمْ وكَانُوا كالفَراشِ مِنَ الجَهْلِ{[60749]}
5290- طُويِّشٌ من نَفرٍ أطْيَاشِ*** أطْيَشُ من طَائرةِ الفَراشِ{[60750]}
والفراشة : الماءُ القليلُ في الإناء ، وفراشة القُفل لشبهها بالفراشة ، وروى «مسلم » عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «مَثلِي ومَثلكُمْ كَمَثلِ رجُلٍ أوْقدَ نَاراً ، فجعَلَ الجنَادِبُ والفراشُ يَقعْنَ فِيهَا وهو يذُبُّهُنَّ عَنْهَا ، وأنَا آخِذٌ بحُجَزِكُمْ عَن النَّارِ ، وأنْتُمْ تَفْلتُونَ مِنْ يَدِي »{[60751]} .
في تشبيه الناس بالفراش مبالغات شتَّى : منها الطيشُ الذي يلحقهم ، وانتشارهم في الأرض ، وركوب بعضهم بعضاً ، والكثرة ، والضعف ، والذلة والمجيء من غير ذهاب ، والقصد إلى الداعي من كل جهة ، والتطاير إلى النار ؛ قال جريرٌ : [ الكامل ]
5291- إنَّ الفَرزْدَقَ ما عَلمْتَ وقوْمَهُ *** مِثْلُ الفَرَاشِ غشيْنَ نَارَ المُصْطَلِي{[60752]}
والمبثوث : المتفرق ، وقال تعالى في موضع آخر : { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } [ القمر : 7 ] .
فأول حالهم كالفراش لا وجه له ، يتحير في كل وجه ، ثم يكون كالجراد ؛ لأن لها وجهاً تقصده ، والمبثوث : المتفرق المنتشر ، وإنما ذكر على اللفظ كقوله تعالى : { أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] .
قال ابن عباس : «كالفَرَاشِ المبثُوثِ » كغوغاء الجراد ، يركب بعضها بعضاً ، كذلك الناس ، يجول بعضهم في بعض إذا بعثوا{[60753]} .
فإن قيل : كيف يشبهُ الشيء الواحد بالصغير والكبير معاً ؛ لأنه شبههم بالجراد المنتشر والفراش المبثوث ؟
فالجواب : أما التشبيه بالفراش ، فبذهاب كل واحد إلى جهة الآخر ، وأما التشبيه بالجراد ، فبالكثرة والتتابع ، ويكون كباراً ، ثم يكون صغاراً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.