فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ} (4)

ثم بيّن سبحانه متى تكون القارعة فقال : { يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث } . وانتصاب الظرف بفعل محذوف تدلّ عليه القارعة : أي تقرعهم يوم يكون الناس إلخ ، ويجوز أن يكون منصوباً بتقدير اذكر . وقال ابن عطية ، ومكي ، وأبو البقاء : هو منصوب بنفس القارعة ، وقيل : هو خبر مبتدأ محذوف ، وإنما نصب لإضافته إلى الفعل ، فالفتحة فتحة بناء لا فتحة إعراب : أي هي يوم يكون إلخ . وقيل التقدير : ستأتيكم القارعة يوم يكون . وقرأ زيد بن عليّ برفع يوم على الخبرية للمبتدأ المقدّر . والفراش : الطير الذي تراه يتساقط في النار ، والسراج ، والواحدة فراشة ، كذا قال أبو عبيدة وغيره . قال الفراء : الفراش هو الطائر من بعوض وغيره ، ومنه الجراد . قال وبه يضرب المثل في الطيش ، والهوج ، يقال : أطيش من فراشة ، وأنشد :

فراشة الحلم فرعون العذاب وإن *** يطلب نداه فكلب دونه كلب

وقول آخر :

وقد كان أقوام رددت حلومهم *** عليهم وكانوا كالفراش من الجهل

والمراد بالمبثوث المتفرّق المنتشر . يقال بثه : إذا فرقه . ومثل هذا قوله سبحانه في آية أخرى : { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } [ القمر : 7 ] وقال { المبثوث } ، ولم يقل المبثوثة ، لأن الكل جائز ، كما في قوله : { أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 20 ] و{ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] وقد تقدّم بيان وجه ذلك .

/خ11