المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ} (4)

و «الفراش » : طير دقيق يتساقط في النار ويقصدها ، ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يحترق ، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : «أنا آخذ بحجزكم عن النار ، وأنتم تقتحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب{[11958]} » ، وقال الفراء : «الفراش » في الآية : غوغاء الجراد ، وهو صغيره الذي ينتشر في الأرض والهواء ، و { المبثوث } هنا معناه : المتفرق ، جمعه وجملته موجودة متصلة ، وقال بعض العلماء : الناس أول قيامهم من القبور { كالفراش المبثوث } ؛ لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام ، يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر فهم حينئذ كالجراد المنتشر ؛ لأن الجراد إنما توجهه إلى ناحية مقصودة .


[11958]:أخرجه البخاري في الرقاق، ومسلم في الفضائل، والترمذي في الأدب، وأحمد في مسنده في أكثر من موضع، ولفظه كما في صفحة (244) من الجزء الثاني من مسند أحمد: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (طعام الاثنين كافي الثلاثة، والثلاثة كافي الأربعة، إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا ،فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش والدواب تتقحم فيها، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تواقعون فيها، ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأكمله وأجمله، فجعل الناس يطيفون به يقولون: ما رأينا بنيانا أحسن من هذا إلا هذه الثملة، فأنا تلك الثملة) وقيل لسفيان –راوي الحديث-: من ذكر هذه؟ قال: أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.