السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ} (4)

واختلف في ناصب { يوم } على وجهين : أحدهما أنه بمضمر دلّ عليه القارعة ، أي : تقرعهم يوم . وقيل تقديره : تأتي القارعة يوم { يكون الناس } ، والثاني أنه " اذكر " مقدّراً ، فهو مفعول به لا ظرف . وقوله تعالى : { كالفراش المبثوث } يجوز أن يكون خبراً للناقصة ، وأن يكون حالاً من فاعل التامة ، أي : يؤخذون ويحشرون شبه الفراش ، شبههم في الكثرة والانتشار ، والضعف والذلة ، والتطاير إلى الداعي من كل جانب ، كما يتطاير الفراش إلى النار ، والفراش طائر معروف . قال قتادة : الفراش الطير الذي يتساقط في النار والسراج ، الواحدة فراشة . وقال الفراء : هو الهمج من البعوض والجراد وغيرهما ، وبه يضرب المثل في الطيش والهرج ، يقال : أطيش من فراشة . وأنشدوا :

فراشة الحلم فرعون العذاب وأن *** تطلب نداه فكلب دونه كلب

وفي أمثالهم : أضعف من فراشة ، وأذل وأجهل . وسمي فراشاً لتفرشه وانتشاره . وروى مسلم عن جابر قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها ، وهو يذبهنّ عنها ، وأنا آخذ بحجزكم عن النار ، وأنتم تفلتون من يدي » . وفي تشبيه الناس بالفراش مبالغات شتى : منها الطيش الذي يلحقهم ، وانتشارهم في الأرض ، وركوب بعضهم بعضاً ، والكثرة والضعف ، والذلة والمجيء من غير ذهاب ، والقصد إلى الداعي من كل جهة ، والتطاير إلى النار . قال جرير :

إنّ الفرزدق ما علمت وقومه *** مثل الفراش غشين نار المصطلى

والمبثوث المتفرق ، وقال تعالى في موضع آخر : { كأنهم جراد منتشر }[ القمر : 7 ] ، فإن قيل : كيف شبه الشيء الواحد بالصغير والكبير معاً ؛ لأنه شبههم بالجراد المنتشر والفراش المبثوث ؟ أجيب : بأنّ التشبيه بالفراش في ذهاب كل واحد إلى غير جهة الآخر ، وأمّا التشبيه بالجراد فبالكثرة والتتابع .