المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ} (23)

23- لا يُحاسب - سبحانه - ولا يُسأل عما يفعل ، لأنه الواحد المتفرد بالعزة والسلطان ، الحكيم العليم ، فلا يخطئ في فعل أي شيء ، وهم يُحاسبون ويُسألون عما يفعلون ؛ لأنهم يخطئون لضعفهم وجهلهم وغلبة الشهوة عليهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ} (23)

ثم وصف نفسه تعالى بأنه { لا يسأل عما يفعل } وهذا وصف يحتمل معنيين : إما أن يريد أنه بحق ملكه وسلطانه لا يعارض ولا يسأل عن شيء يفعله إذ له أن يفعل في ملكه ما يشاء ، وإما أن يريد أنه محكم الأفعال واضع كل شيء موضعه فليس في أفعاله موضع سؤال ولا اعتراض ، وهؤلاء من البشر يسألون لهاتين العلتين لأنهم ليسوا مالكين ولأنهم في أفعالهم خلل كثير{[8205]} .


[8205]:روي أن رجلا قال للإمام علي رضي الله عنه: أيحب ربنا أن يعصى؟ قال: أفيعصى ربنا قهرا؟ قال: أرأيت إن منعني الهدى ومنحني الردى أأحسن إلي أم أساء؟ قال: إن منعك حقك فقد أساء، وإن منعك فضله فهو فضله يؤتيه من يشاء، ثم تلا الآية: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ} (23)

الأظهر أن هذه الجملة حال مكملة لمدلول قوله تعالى : { لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون } [ الأنبياء : 1920 ] كما تقدم عند قوله تعالى : { أم اتخذوا آلهة من الأرض } [ الأنبياء : 21 ] الخ . . فالمعنى أن مَنْ عنده وهم المقربون من المخلوقات هم مع قربهم يُسألون عما يفعلون ولا يسألونه عما يفعل ، أي لم يبلغ بهم قربهم إلى حدّ الإدلال عليه وانتصابهم لتعقب أفعاله . فلما كان الضمير المرفوع بالنيابة عن الفاعل مشعراً بفاعل حُذف لقصد التعميم ، أي لا يَسأل سائلٌ الله تعالى عما يفعل . وكان ممن يشملهم الفاعل المحذوف هم مَن عنده من المقربين ، صَحّ كون هذه الجملة حالاً من { مَن عنده } [ الأنبياء : 19 ] ، على أن جملة { لا يسأل عما يفعل } تمهيد لجملة { وهم يسألون } .

على أن تقديمه على جملة { وهم يسألون } اقتضته مناسبة الحديث عن تنزيهه تعالى عن الشركاء فكان انتقالاً بديعاً بالرجوع إلى بقية أحوال المقربين .

فالمقصود أن مَن عنده مع قربهم ورفعة شأنهم يحاسبهم الله على أعمالهم فهم يخافون التقصير فيما كلفوا به من الأعمال ولذلك كانوا لا يستحسرون ولا يفترون .

وبهذا تعلم أن ليس ضمير { وهم يسألون } براجع إلى ما رجع إليه ضمير { يَصفون } [ الأنبياء : 22 ] لأن أولئك لا جَدوى للإخبار بأنهم يُسألون إذ لا يتردد في العلم بذلك أحدٌ ، ولا براجع إلى { آلهة من الأرض } [ الأنبياء : 21 ] لعدم صحة سؤالهم ، وذلك هو ما دعانا إلى اعتبار جملة { لا يسأل عما يفعل } حالاً مِن { مَن عنده } [ الأنبياء : 19 ] .

والسؤال هنا بمعنى المحاسبة ، وطلب بيان سبب الفعل ، وإبداء المعذرة عن فعل بعض ما يُفعل ، وتخلّص من ملام أو عتاب على ما يفعل . وهو مثل السؤال في الحديث « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » . فكونهم يسألون كناية عن العبودية لأن العبد بمظنة المؤاخذة على ما يَفعل وما لا يفعل وبمظنة التعرض للخطأ في بعض ما يفعل .

وليس المقصود هنا نفي سؤال الاستشارة أو تطلب العلم كما في قوله تعالى { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } [ البقرة : 30 ] ، ولا سؤالَ الدعاء ، ولا سؤال الاستفادة والاستنباط مثل أسئلة المتفقهين أو المتكلمين عن الحِكَم المبثوثة في الأحكام الشرعية أو في النظم الكونية لأن ذلك استنباط وتتبع وليس مباشرةً بسؤال الله تعالى ، ولا لتطلب مخلص من ملام . وفي هذا إبطال لإلهية المقربين التي زعمها المشركون الذين عبدوا الملائكة وزعموهم بنات الله تعالى ، بطريقة انتفاء خاصية الإله الحق عنهم إذ هم يُسألون عما يفعلون وشأن الإله أن لا يُسأل . وتُستخرج من جملة { لا يسأل عما يفعل } كنايةٌ عن جريان أفعال الله تعالى على مقتضى الحكمة بحيث إنها لا مجال فيها لانتقاد منتقد إذا أتقن الناظر التدبّر فيها أو كُشف له عما خفي منها .