غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ} (23)

21

ثم أكد تفرده بالإِلهية بقوله { لا يسأل عما يفعل } وفيه رد على الثنوية والمجوس الذين أثبتوا لله شريكاً فاعلاً للشرور والآلام ، وذلك أنهم طلبوا الحكمة في أفعال الله تعالى فقالوا : لو كان مدبر العالم واحداً لم يخص هذا بأنواع الخيرات من الصحة والغنى وذلك بأصناف الشرور من المرض والفقر ، فذكر سبحانه أن الاعتراض على أفعاله ينافي الديانة وأن له أن يفعل ما يشاء ولا مجال للسؤال عن أفعاله ، فكل من الأشاعرة والمعتزلة سلموا أنه لا يجوز أن يقال لله لم فعلت ، ولكنهم حملوا عدم جواز السؤال على مأخذ آخر . أما الأشاعرة فذهبوا إلى أن أفعاله لا تعلل بالمصالح والأغراض ولم بحكم المالكية أن يفعل في مخلوقاته ما شاء فإن من تصرف في ملك نفسه لا يقال له لم فعلت ، وكيف يتصور في حقه استحقاق الذم واستحقاق المدح له قديم ؟ وما يثبت للشيء لذاته يستحيل أن يتبدل لأجل تبدل الصفات . وكما أن ذاته غير معللة بشيء فكذلك صفاته وأفعاله ، وإنه غير محتاج إلى الأسباب والوسائط والأغراض والمقاصد . وأما المعتزلة فقد قالوا : إنه تعالى عالم بقبح المقابح وعالم بكونه غنياً عنها ، ومن كان كذلك فإنه يستحيل أن يفعل القبيح . وإذا عرف المكلف إجمالاً أن كل ما يفعله الله فهو حكمة وصواب وجب أن يسكت عن " لم " وإذا كان الملوك المجازيون لا يسألهم من في مملكتهم عما يوردون ويصدرون من تدبير ملكهم تهيباً وإجلالاً لهم مع جواز الخطأ والزلل عليهم ، فملك الملوك ورب الأرباب أولى بأن لا يسال عن أفعاله مع ما ركز في العقول من أن كل ما يفعله فهو حسن مشتمل على الغايات الصحيحة . ثم زاد الإلهية تأكيداً بقوله { وهم يسألون } وفيه رد على منكري التكليف الذاهبين إلى أن العباد لا يسألون عما فعلوا في دار الدنيا قالوا : إن التكليف أمر غير معقول لأنه إما أن يتوجه على العبد حال استواء داعيته إلى الفعل والترك وهو محال لأن صدور الفعل عن المكلف يستدعي الترجيح فالتكليف بالترجيح في حال عدم الترجيح تكليف بالمحال ، وإما أن يتوجه حال الرجحان ويكون الفعل حينئذ واجب الوقوع فيكون التكليف عبثاً . وأيضاً التكليف بما هو معلوم الوقوع لله عبث لأنه واجب الوقوع وبما هو غير معلوم الوقوع تكليف بما لا يطاق ، وأيضاً سؤال العبد لعبد إن لم يكن فيه فائدة فعبث ، وإن كان فيه فائدة فإِن عادت إلى الله تعالى كان محتاجاً مستكملاً ، وإن عادت إلى العبد فالله تعالى قادر على إيصالها إليه من غير واسطة التكليف ، على أن السؤال إن كان لأجل إيصال الضرر فذلك لا يليق بالكريم الرحيم ، وجوابهم أن الأسباب والوسائط معتبرة في كل شيء من عالم الأسباب حتى الثواب والعقاب ، على أن حاصل الشبهات يرجع إلى أن المنكر كأنه قال : إنه تعالى لم كلف عباده ولم كلفهم مالا يطيقون وهو يناقض القاعدة الممهدة أنه لا يسال عما يفعل .

/خ50