البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ} (23)

ثم وصف نفسه بكمال القدرة ونهاية الحكم فقال { لا يسأل عما يفعل } إذ له أن يفعل في ملكه ما يشاء ، وفعله على أقصى درجات الحكمة فلا اعتراض ولا تعقب عليه ، ولما كانت عادة الملوك أنهم لا يسألون عما يصدر من أفعالهم مع إمكان الخطأ فيها ، كان ملك الملوك أحق بأن لا يسأل هذا مع علمنا أنه لا يصدر عنه إلاّ ما اقتضته الحكمة العارية عن الخلل والتعقب ، وجاء { عما يفعل } إذ الفعل جامع لصفات الأفعال مندرج تحته كل ما يصدر عنه من خلق ورزق ونفع وضر وغير ذلك ، والظاهر في قوله { لا يسأل } العموم في الأزمان .

وقال الزجّاج : أي في القيامة { لا يُسْأَل } عن حكمه في عباده { وهم يُسْأَلُون } عن أعمالهم .

وقال ابن بحر : لا يحاسب وهم يحاسبون .

وقيل : لا يؤاخذ وهم يؤاخذون انتهى .

{ وهم يسألون } لأنهم مملوكون مستعبدون واقع منهم الخطأ كثيراً فهم جديرون أن يقال لهم لم فعلتم كذا .

وقرأ الحسن : لا يُسَل ويُسَلُون بفتح السين نقل حركة الهمزة إلى السين وحذف الهمزة .