في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ} (23)

( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) . .

ومتى كان المسيطر على الوجود كله يسأل ؛ ومن ذا الذي يسأله ؛ وهو القاهر فوق عباده ، وإرادته طليقة لا يحدها قيد من إرادة أخرى ، ولا حتى من الناموس الذي ترتضيه هي وتتخذه حاكما لنظام الوجود ? والسؤال والحساب إنما يكونان بناء على حدود ترسم ومقياس يوضع . والإرادة الطليقة هي التي تضع الحدود والمقاييس ، ولا تتقيد بما تضع للكون من الحدود والمقاييس إلا كما تريد . والخلق مأخوذون بما تضع لهم من تلك الحدود فهم يسألون .

وإن الخلق ليستبد بهم الغرور أحيانا فيسألون سؤال المنكر المتعجب : ولماذا صنع الله كذا . وما الحكمة في هذا الصنيع ? وكأنما يريدون ليقولوا : إنهم لا يجدون الحكمة في ذلك الصنيع !

وهم يتجاوزون في هذا حدود الأدب الواجب في حق المعبود ، كما يتجاوزون حدود الإدراك الإنساني القاصر الذي لا يعرف العلل والأسباب والغايات وهو محصور في حيزه المحدود . .

إن الذي يعلم كل شيء ، ويدبر كل شيء ، ويسيطر على كل شيء ، هو الذي يقدر ويدبر ويحكم . ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) . .