المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (13)

13- فبسبب نقض بني إسرائيل عهودهم ، استحقوا الطرد من رحمة الله ، وصارت قلوبهم صلبة لا تلين لقبول الحق ، وأخذوا يصرفون كلام الله في التوراة عن معناه ، إلى ما يوافق أهواءهم ، وتركوا نصيباً وافياً مما أمروا به في التوراة ، وستظل أيها الرسول ترى منهم ألواناً من الغدر ونقض العهد ، إلا نفراً قليلا منهم آمنوا بك فلم يخونوا ولم يغدروا . فتجاوز أيها الرسول عما فرط من هؤلاء ، واصفح وأحسن إليهم ، إن الله يحب المحسنين .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (13)

قوله تعالى : { فبما نقضهم } أي : فبنقضهم ، و{ ما } صلة .

قوله تعالى : { ميثاقهم } ، قال قتادة : نقضوه من وجوه ، لأنهم كذبوا الرسل الذين جاؤوا بعد موسى ، وقتلوا أنبياء الله ، ونبذوا كتابه ، وضيعوا فرائضه .

قوله تعالى :{ لعناهم } ، قال عطاء : أبعدناهم من رحمتنا ، قال الحسن ومقاتل : عذبناهم بالمسخ .

قوله تعالى : { وجعلنا قلوبهم قاسية } ، قرأ حمزة والكسائي قسية ، بتشديد الياء من غير ألف ، وهما لغتان مثل : الذاكية والذكية ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( قاسية ) أي يابسة ، وقيل : غليظة لا تلين ، وقيل معناه : إن قلوبهم ليست بخالصة للإيمان ، بل إيمانهم مشوب بالكفر والنفاق ، ومنه الدراهم القاسية وهي الرديئة المغشوشة .

قوله تعالى : { يحرفون الكلم عن مواضعه } ، قيل : هو تبديلهم نعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل : تحريفهم بسوء التأويل .

قوله تعالى : { ونسوا حظاً مما ذكروا به } . أي : وتركوا نصيب أنفسهم مما أمروا به من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبيان نعته .

قوله تعالى : { ولا تزال } يا محمد .

قوله تعالى : { تطلع على خائنة منهم } ، أي : على خيانة ، فاعلة بمعنى المصدر كالكاذبة واللاغية ، وقيل : هو بمعنى الفاعل ، والهاء للمبالغة مثل : رواية ونسابة ، وعلامة ، وحسابة ، وقيل : على فرقة خائنة . قال ابن عباس رضي الله عنهما : على خائنة ، أي : على معصية ، وكانت خيانتهم نقضهم العهد ، ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهمهم بقتله ، وسمّه ، ونحوها من خياناتهم التي ظهرت منهم

قوله تعالى : { إلا قليلاً منهم } ، لم يخونوا ولم ينقضوا العهد ، وهم الذين أسلموا من أهل الكتاب .

قوله تعالى : { فاعف عنهم واصفح } ، أي : أعرض عنهم ، ولا تتعرض لهم .

قوله تعالى : { إن الله يحب المحسنين } ، وهذا منسوخ بآية السيف .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (13)

{ فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم } طردناهم من رحمتنا ، أو مسخناهم أو ضربنا عليهم الجزية . { وجعلنا قلوبهم قاسية } لا تنفعل عن الآيات والنذر . وقرأ حمزة والكسائي " قسية " وهي إما مبالغة { قاسية } أو بمعنى رديئة من قولهم درهم قسي إذا كان مغشوشا ، وهو أيضا من القسوة فإن المغشوش فيه يبس وصلابة وقرئ " قسية " بإتباع القاف للسين . { يحرفون الكلم عن مواضعه } استئناف لبيان قسوة قلوبهم ، فإنه لا قسوة أشد من تغيير كلام الله سبحانه وتعالى والافتراء عليه ، ويجوز أن يكون حالا من مفعول { لعناهم } لا من القلوب إذ لا ضمير له فيه . { ونسوا حظا } وتركوا نصيبا وافيا . { مما ذكروا به } من التوراة ، أو من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى أنهم حرفوا التوراة وتركوا حظهم مما أنزل عليهم فلم ينالوه ، وقيل معناه أنهم حرفوها فزلت بشؤمه أشياء منها عن حفظهم ، لما روي أن ابن مسعود قال : قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية . { ولا تزال تطلع على خائنة منهم } خيانة منهم ، أو فرقة خائنة أو خائن والتاء للمبالغة . والمعنى أن الخيانة والغدر من عادتهم وعادة أسلافهم لا تزال ترى ذلك منهم . { إلا قليلا منهم } لم يخونوا وهم الذين آمنوا منهم ، وقيل استثناء من قوله : { وجعلنا قلوبهم قاسية } { فاعف عنهم واصفح } إن تابوا وآمنوا أو عاهدوا والتزموا الجزية . وقيل : مطلق نسخ بآية السيف . { إن الله يحب المحسنين } تعليل للأمر بالصفح وحث عليه وتنبيه على أن العفو عن الكافر الخائن إحسان فضلا عن العفو عن غيره .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (13)

قوله : { فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم } قد تقدّم الكلام على نظيره في قوله تعالى : { فبما نقضهم ميثاقهم وكفرِهم } [ النساء : 155 ] ، وقوله : { فبظلم من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات } في سورة النّساء ( 160 ) .

واللعن هو الإبعاد ، والمراد هنا الإبعادُ من رحمة الله تعالى ومن هديه إذ استوجبوا غضب الله لأجل نقض الميثاق .

{ وجَعلنا قلوبهم قاسية } قساوة القلب مجاز ، إذْ أصلها الصلابة والشدّة ، فاستعيرت لعدم تأثّر القلوب بالمواعظ والنذر . وقد تقدّم في قوله تعالى : { ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك } [ البقرة : 74 ] . وقرأ الجمهور : { قاسية } بصيغة اسم الفاعل . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف : { قَسِيَّة } فيكون بوزن فَعِيلة من قَسَا يَقْسو .

وجملة { يُحرّفون الكَلِم عن مواضعه } استئناف أو حال من ضمير { لَعنّاهم } . والتحريف : الميل بالشيء إلى الحرف ، والحرف هو الجانب . وقد كثر في كلام العرب استعارة معاني السير وما يتعلّق به إلى معاني العمل والهُدى وضدّه ؛ فمن ذلك قولهم : السلوك ، والسيرة ؛ والسعي ؛ ومن ذلك قولهم : الصراط المستقيم ، وصراطاً سوياً ، وسواء السبيل ، وجادّة الطريق ، والطريقة الواضحة ، وسواء الطريق ؛ وفي عكس ذلك قالوا : المراوغة ، والانحراف ، وقالوا : بنيَّات الطريق ، ويعْبُد الله على حرف ، ويشعِّبُ الأمور . وكذلك ما هنا ، أي يعدلون بالكلم النبويّة عن مواضعها فيسيرون بها في غير مسالكها ، وهو تبديل معاني كتبهم السماوية . وهذا التحريف يكون غالباً بسوء التأويل اتّباعاً للهوى ، ويكون بكتمان أحكام كثيرة مجاراة لأهواة العامّة ، قيل : ويكون بتبديل ألفاظ كتبهم . وعن ابن عبّاس : ما يدلّ على أنّ التحريف فساد التأويل . وقد تقدّم القول في ذلك عند قوله تعالى : { من الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه } في سورة النساء ( 46 ) . وجيء بالمضارع للدلالة على استمرارهم .

وجملة { ونسوا حظّاً } معطوفة على جملة { يحرّفون } . والنسيان مراد به الإهمال المفضي إلى النسيان غالباً . وعبّر عنه بالفعل الماضي لأنّ النسيان لا يتجدّد ، فإذا حصل مضى ، حتّى يُذكّره مُذكِّر . وهو وإن كان مراداً به الإهمال فإنّ في صوغه بصيغة الماضي ترشيحاً للاستعارة أو الكناية لتهاونهم بالذكرى .

والحظّ النصيب ، وتنكيره هنا للتعظيم أو التكثير بقرينة الذمّ . وما ذكّروا به هو التّوراة .

وقد جمعت الآية من الدلائل على قلّة اكتراثهم بالدّين ورقّة اتِّباعهم ثلاثة أصول من ذلك : وهي التعمّد إلى نقض ما عاهدوا عليه من الامتثال ، والغرور بسوء التأويل ، والنسيان الناشىءُ عن قلّة تعهّد الدّين وقلّة الاهتمام به .

والمقصود من هذا أن نعتبر بحالهم ونتّعظ من الوقوع في مثلها . وقد حاط علماء الإسلام رضي الله عنهم هذا الدّين من كلّ مسارب التحريف ، فميّزوا الأحكام المنصوصة والمقيسة ووضعوا ألقاباً للتمييز بينها ، ولذلك قالوا في الحكم الثابت بالقياس : يجوز أن يقال : هو دين الله ، ولا يجوز أن يُقال : قاله الله .

وقوله : { ولا تزال تطّلع على خائنة منهم } انتقال من ذكر نقضهم لعهد الله إلى خيسهم بعهدهم مع النّبيء صلى الله عليه وسلم وفِعل { لا تزال } يدلّ على استمرار ، لأنّ المضارع للدلالة على استمرار الفعل لأنّه في قوة أن يقال : يدوم اطّلاعك . فالاطّلاع مجاز مشهور في العلم بالأمر ، والاطّلاع هنا كناية عن المطّلع عليه ، أي لا يزالون يخونون فتطّلع على خيانتهم .

والاطّلاع افتعال من طَلع . والطلوع : الصعود . وصيغة الافتعال فيه لمجرّد المبالغة ، إذ ليس فعله متعدّياً حتّى يصاغ له مطاوع ، فاطّلع بمنزلة تطّلع ، أي تكلّف الطلوع لقصد الإشراف . والمعنى : ولا تزال تكشف وتشاهد خائنة منهم .

والخائنة : الخيانة فهو مصدر على وزن الفاعلة ، كالعاقبة ، والطاغية . ومنه { يعلم خائنة الأعين } [ غافر : 19 ] . وأصْل الخيانة : عدم الوفاء بالعهد ، ولعلّ أصلها إظهار خلاف الباطن . وقيل : { خائنة } صفة لمحذوف ، أي فرقة خائنة .

واستثنى قليلاً منهم جُبلوا على الوفاء ، وقد نقض يهود المدينة عهدهم مع رسول الله والمسلمين فظاهروا المشركين في وقعة الأحزاب ، قال تعالى : { وأنزَل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم } [ الأحزاب : 26 ] . وأمْره بالعفو عنهم والصفح حمل على مكارم الأخلاق ، وذلك فيما يرجع إلى سوء معاملتهم للنّبيء صلى الله عليه وسلم وليس المقام مقام ذكر المناواة القومية أو الدّينية ، فلا يعارض هذا قوله في براءة { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } [ التوبة : 29 ] لأنّ تلك أحكام التصرّفات العامّة ، فلا حاجة إلى القول بأنّ هذه الآية نسخت بآية براءة .