الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (13)

{ لعناهم } طردناهم وأخرجناهم من رحمتنا . وقيل : مسخناهم . وقيل : ضربنا عليهم الجزية { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قاسية } خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى قست قلوبهم . أو أملينا لهم ولم نعاجلهم بالعقوبة حتى قست . وقرأ عبد الله : «قسيَّة » ، أي ردية مغشوشة ، من قولهم : درهم قسيّ وهو من القسوة ؛ لأن الذهب والفضة الخالصين فيهما لين والمغشوش فيه يبس وصلابة ، والقاسي والقاسح - بالحاء - أخوان في الدلالة على اليبس والصلابة وقرئ : «قسية » ، بكسر القاف للإتباع { يُحَرّفُونَ الكلم } بيان لقسوة قلوبهم ، لأنه لا قسوة أشدّ من الافتراء على الله وتغيير وحيه { وَنَسُواْ حَظَّا } وتركوا نصيباً جزيلاً وقسطاً وافياً { مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } من التوراة ، يعني أن تركهم وإعراضهم عن التوراة إغفال حظ عظيم ، أو قست قلوبهم وفسدت فحرّفوا التوراة وزالت أشياء منها عن حفظهم . وعن ابن مسعود رضي الله عنه : قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية . وتلا هذه الآية . وقيل : تركوا نصيب أنفسهم مما أمروا به من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ } أي هذه عادتهم وهجيراهم وكان عليها أسلافهم كانوا يخونون الرسل وهؤلاء يخونونك ينكثون عهودك ويظاهرون المشركين على حربك ويهمون بالفتك بك وأن يسموك { على خَائِنَةٍ } على خيانة ، أو على فعلة ذات خيانة ، أو على نفس ، أو فرقة خائنة . ويقال : رجل خائنة ، كقولهم : رجل راوية للشعر للمبالغة . قال :

حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بِالْوَفَاءِ وَلَمْ تَكُن *** لِلْغَدْرِ خَائِنَةً مَضَلَّ الأُصْبُعِ

وقرئ على خيانة { مّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ } وهم الذين آمنوا منهم { فاعف عَنْهُمْ } بعث على مخالفتهم . وقيل هو منسوخ بآية السيف . وقيل : فاعف عن مؤمنيهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم .