فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (13)

{ يحرفون } يميلون . { نسوا } تركوا . { حظا } نصيبا .

{ خائنة } خيانة ، وفعلة خائنة . { فاعف } فتجاوز عن عقوبتهم .

{ واصفح } وأعرض عما كان من إساءتهم .

{ المحسنين } الذين أحسنوا بعفوهم .

{ لعناهم } أبعدناهم وطردناهم من رحمتنا .

{ فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به } فبسبب نقض بني إسرائيل عهد الله وميثاقه الذي أخذ عليهم لعنهم سبحانه وأبعدهم وطردهم عن رحمته ، ( . . فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم . . ) ( {[1701]} ) ، وجعل قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة ، لا تلين لذكر ، ولا تستجيب لموعظة ؛ وانطلقوا يغيرون كلام الله تعالى عن مواقعه ويبدلونه ، ويتجدد منهم هذا الافتراء ويتابعونه ؛ وتركوا بعضا مما وصاهم الله تعالى بأدائه ورعايته ؛ والنسيان بمعنى الترك جاء به القرآن الحكيم ، يقول مولانا العلي العظيم : ( . . نسوا الله فنسيهم . . . ) ( {[1702]} ) ؛ { ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم } ينبئ الله تعالى رسوله ، ويعلم الأمة الخاتمة أن الغدر ونقض العهد في الخلف من أبناء الغادرين من الإسرائيليين باق فيهم كما كان في الناكثين من أسلافهم ، إلا طائفة قليلة يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ؛ { فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين } لعل المراد : الأمر بالعفو عنهم في جهالة ارتكبوها ، أو حماقة عزموا عليها ، ماداموا لم يقاتلونا في الدين ، ولا عملوا على إخراجنا من ديارنا ، ولا ظاهروا على إخراجنا ، وهم مع ذلك يؤدون الجزية ، ويخضعون لما شرعه الإسلام في تعاملنا معهم ؛ { إن الله يحب المحسنين } قال ابن عباس : معناه : إذا عفوت فأنت محسن ، وإذا كنت محسنا فقد أحبك الله .


[1701]:سورة الصف. من الآية 5.
[1702]:سورة التوبة. من الآية 67.