الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (13)

قوله( {[15219]} ) ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ ) الآية [ 14 ] .

( ما ) زائدة مؤكدة للقصة( {[15220]} ) ، أو نكرة( {[15221]} ) . و( نَقْضِهِم )( {[15222]} ) بدل منها .

و( قَاسِيَةً ) و( قسِيّة ) لغتان( {[15223]} ) ، كعالم وعليم ، ويؤيد( {[15224]} ) قراءة( {[15225]} ) ( قَاسِيَةً ) قوله : ( فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم )( {[15226]} ) . ويؤيد( {[15227]} ) قَرَأَةَ ( قسية ) أن " فعيلاً " أبلغ –في المدح والذم- من " فاعل " ، فعليم أبلغ من عالم ، وسميع أبلغ من سامع ، فالمعنى : من أجل نقضهم للميثاق( {[15228]} ) –الذي أخذ عليهم- لعنهم الله ، أي : أبعدهم من رحمته( {[15229]} ) ، وجعل ( الله( {[15230]} ) ) قلوبهم قسية( {[15231]} ) ، أي : غليظة [ نابية ]( {[15232]} ) عن الإيمان والتوفيق بطاعة( {[15233]} ) الله( {[15234]} ) .

والقاسية والعاتية( {[15235]} ) : واحد( {[15236]} ) .

وقوله : ( يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) أخبر الله عز وجل عن فعلهم أنهم يبدلون ما في التوراة ويكتبون بأيديهم غير الذي أنزل الله( {[15237]} ) ، ويقولون لجهالهم( {[15238]} ) : هذا كلام الله . وهذا من صفة القرون( {[15239]} ) ( التي( {[15240]} ) ) كانت بعد موسى من اليهود ، ومنهم من أدرك عصر نبينا ، فأخبره الله عنهم بما [ يعملون ]( {[15241]} ) ، وأدخلهم في ذكر من كانوا قبلهم إذ كانوا من أبنائهم( {[15242]} ) وعلى منهاجهم( {[15243]} ) .

وقيل : معنى ( يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) يتأولونه على غير تأويله( {[15244]} ) .

وقيل : معنى ( [ وَجَعَلْنَا ] قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً )( {[15245]} ) : ( أي وصفناهم بهذا )( {[15246]} ) .

وقوله : " ( وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) أي : تركوا نصيباً مما أُمِرُوا بِهِ " ( {[15247]} ) .

قال الحسن : تركوا عُرى( {[15248]} ) دينهم ، أي : تركوا ( الأخذ والعمل )( {[15249]} ) بالتوراة( {[15250]} ) .

وقوله : ( وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ( {[15251]} ) عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمُ ) أي : لا تزال يا محمد تطلع من اليهود( {[15252]} ) –الذين نقضوا الميثاق- على خيانة( {[15253]} ) ( إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ ) ، والخائنة( {[15254]} ) ، الخيانة ، وضع الاسم موضع المصدر( {[15255]} ) ، كقولهم " خاطئة " في موضع " خطيئة " ( {[15256]} ) و " قائلة " في " قيلولة " ( {[15257]} ) . وقيل : ( التقدير )( {[15258]} ) : على فرقة خائنة( {[15259]} ) . وقيل على رجل خائنة ، كما يقال : رجل راوية( {[15260]} ) ، يريد لا تزال يا محمد تطلع على مثل الذين هموا بقتلك( {[15261]} ) .

وقيل : المعنى على نسمة( {[15262]} ) خائنة منهم( {[15263]} ) . ويجوز أن يكون التقدير : على فرقةٍ خائنة ، أو : على طائفة خائنة( {[15264]} ) . وقيل : الهاء للمبالغة ، وقيل : ( المعنى )( {[15265]} ) : على خائن منهم( {[15266]} ) .

( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحِ ) : أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعفو عن هؤلاء الذين أرادوا قتله من اليهود . وقال قتادة : هي منسوخة بآية القتال في " براءة " ( {[15267]} ) . وقيل : هي منسوخة بقوله : ( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن( {[15268]} ) قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذِ اِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ )( {[15269]} ) . وقيل : المعنى : فاعف عنهم واصفح ما دام/ بينك وبينهم ذمة وعهد( {[15270]} ) .


[15219]:- ج: وقوله.
[15220]:- هو قول قتادة وابن عباس في تفسير الطبري 10/125 و126، وقول أبي عبيدة في مجازه 1/157، والزجاج في معانيه 2/159، والنحاس في إعرابه 1/487.
[15221]:- ب ج د: تكون نكرة.
[15222]:- "مخفوض بالباء، ويجوز رَفعهُ في غير القرآن، أي: فالّذي هو نَقضُهم" إعراب النحاس 1/487.
[15223]:- قرأ الكسائي وحمزة (قسِيَّة)، وهي قراءة ابن مسعود والنخعي وابن وثاب أيضاً. و(قاسِيَة): قراءة ابن كثير ونافع وعاصم وأبي عمرو وابن عامر وأبي جعفر وخلف ويعقوب: انظر: السبعة 243، والمبسوط 185، وانظر: حجة الفريقين في حجة ابن خالويه 129، وحجة ابن زنجلة 223، والكشف 1/407، وانظر: أحكام القرطبي 6/115.
[15224]:- ب ج د: يريد.
[15225]:- ب: قراءة. ج: د: قرا.
[15226]:- الزمر: 21. ومعنى هذا أن القراء أجمعوا على قراءة: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم)، واختلفوا في الذي نحن بصدده، فردوا "ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه" حجة ابن زنجلة 223. والقراءة بالمد أحب إلى مكي، "لأن الأكثر عليه وهو المستعمل" الكشف 1/408.
[15227]:- ب ج د: يريد.
[15228]:- ج د: الميثاق.
[15229]:- انظر: معاني الزجاج 2/159.
[15230]:- ساقطة من ب ج د.
[15231]:- ب ج د: قاسية.
[15232]:- أ: باينه. و"نبا الشيء عني ينبو، أي: تجافى وتباعد... والنابية: القوس التي نبت عن وترها، أي: تجافت" اللسان: نبا.
[15233]:- مخرومة في أ.
[15234]:- هذه القراءة اختيار الطبري في تفسيره 10/127 و128. وقد حكاها القرطبي في أحكامه عن النحاس 6/115.
[15235]:- ب: العانية.
[15236]:- هو قول ابن قتيبة في غريبه 142.
[15237]:- انظر: معاني الزجاج 2/160.
[15238]:- ب: لجاهالهم.
[15239]:- ب: القران.
[15240]:- ساقطة من ب.
[15241]:- أ: يعلمون. ج: كانوا يعملون.
[15242]:- ج: أنبيايهم.
[15243]:- مناهجهم. وملخص هذا الكلام قول ابن عباس في تفسير الطبري 10/128 و129.
[15244]:- ب: ناويله. وانظر: إعراب النحاس 1/487.
[15245]:- ساقطة من د.
[15246]:- ساقطة من ج. وانظر: إعراب النحاس 1/487.
[15247]:- غريب ابن قتيبة 342، وهو قول السدي في تفسير الطبري 10/129 و130، وانظر: مجاز أبي عبيدة 1/158.
[15248]:- ب: عرا.
[15249]:- ب ج د: العمل والأخذ.
[15250]:- انظر: تفسير الطبري 10/130.
[15251]:- ج: تطلق.
[15252]:- أي الذين هموا بقتل النبي إذ أتاهم يستعينهم في دِيَّة قتيلي عمرو بن أمية. وانظر: تفسير الطبري 10/133، وانظر: كذلك ما سبق من سبب نزول الآية 12 من هذه السورة.
[15253]:- "(على خيانة) على المصدر: ابن محيص" مختصر ابن خالويه 31.
[15254]:- د: الخانية.
[15255]:- انظر: مجاز أبي عبيدة 1/159، وغريب ابن قتيبة 143، ومعاني الزجاج 2/160، وإعراب ابن الأنباري 1/286، وإعراب العكبري ص 427.
[15256]:- ب: خطيئة. ج د: خطية.
[15257]:- انظر: تفسير الطبري 10/130 و131.
[15258]:- ساقطة من ب.
[15259]:- انظر: معاني الزجاج 2/160، وإعراب ابن الأنباري 1/286.
[15260]:- انظر: مجاز أبي عبيدة 1/158، وغريب ابن قتيبة 142، ومعاني الزجاج 2/160.
[15261]:- هذا المعنى قول مجاهد وعكرمة في تفسير الطبري 10/131 و132.
[15262]:- ب: قسمة.
[15263]:- انظر: التفسير الكبير 11/187، وتفسير البحر 3/446.
[15264]:- انظر: إعراب العكبري 427.
[15265]:- ساقطة من ب.
[15266]:- انظر: مجاز أبي عبيدة 1/158، وغريب ابن قتيبة 142.
[15267]:- وهي: (قَاتِلُوا الذِينَ لاَ يُومِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِاليَوْمِ الآخِرِ) براءة: 29. وانظر: كتاب ناسخه 41، وتفسير الطبري 10/134، وناسخ ابن حزم 35، وناسخ ابن سلامة 80، وناسخ مكي 269، وناسخ ابن العربي 2/200، ونواسخ القرآن 146، والمصفى 28، وناسخ القرآن 31.
[15268]:- مكررة في ب.
[15269]:- الأنفال: 59. وانظر: إعراب النحاس 1/487، وناسخ مكي 269.
[15270]:- انظر: إعراب النحاس 1/487. وعلى هذا "هي محكمة مخصوصة في زمان دون زمان" ناسخ مكي 270. والأقوال الثلاثة المذكورة هنا: هي ضمن الأقوال الخمسة المذكورة في ناسخ ابن العربي 2/200.