غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (13)

القراءات : { قسية } حمزة وعلي والمفضل . الباقون { قاسية } .

12

{ فبما نقضهم ميثاقهم } بتكذيب الرسل وقتلهم أو بكتمانهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم أو بإخلال جملة الشروط المذكورة { لعناهم } قال عطاء : أخرجناهم من رحمتنا . وقال الحسن ومقاتل : مسخناهم حتى صاروا قردة وخنازير . قال ابن عباس : ضربنا الجزية عليهم . { وجعلنا قلوبهم قاسية } من قرأ { قسية } فبمعنى القاسية أيضاً إلا أنها أبلغ كعليم وعالم ومنه قولهم " درهم قسي " أي رديء مغشوش لما فيه من اليبس والصلابة بخلاف الدرهم الخالص فإن فيه ليناً وانقياداً . قالت المعتزلة : معنى الجعل ههنا أنه أخبر عنها بأنها صارت قاسية كما يقال جعلت فلاناً فاسقاً أو عدلاً { يحرّفون الكلم } بيان لقسوة قلوبهم لأنه لا قسوة أشد من الافتراء على الله وتغيير كلامه { ونسوا حظاً } تركوا نصيباً وافراً أو قسطاً وافياً { مما ذكروا به } من التوراة يريد أن تركهم التوراة وإعراضهم عن العمل بها إغفال حظ عظيم ، أن فسدت نياتهم فحرفوا التوراة وزالت علوم منها عن حفظهم كما روي عن ابن مسعود : قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية .

وقال ابن عباس : تركوا نصيباً مما أمروا به في كتابهم وهو الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم . ثم بيّن أن نكث العهود والغدر لم يزل عادتهم خلفاً عن سلف فقال : { ولا تزال تطلع على خائنة } أي خيانة كالعافية والحادثة أو صفة لمحذوف مؤنث أي على فعلة ذات خيانة أو على نفس أو فرقة خائنة أو التاء للمبالغة مثل " رجل راوية للشعر " { إلا قليلاً منهم } وهم الذين آمنوا منهم كعبد الله بن سلام وأمثاله ، أو هم الذين بقوا على الكفر من غير غدر ونقض لعهودهم { فاعف عنهم واصفح } بعث على حسن العشرة معهم . فقيل منسوخ بآية الجهاد { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم }[ التحريم :9 ] وقيل : المراد فاعف عن مؤمنهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم . وقيل : بناء على أن القليل هم الباقون على العهد منهم أن المراد لا تؤاخذهم بالصغائر ما داموا باقين على العهد وهذا قول أبي مسلم { إن الله يحب المحسنين } قال ابن عباس : معناه إذا عفوت فأنت محسن ، وإذا كنت محسناً فقد أحبك الله . وعلى قول أبي مسلم فالمراد بهؤلاء المحسنين هم القليلون الذين ما نقضوا عهد الله وفي هذا التفسير بعد والله أعلم .

/خ19