قوله تعالى : { قالوا } ، يعني ثمود ، { يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا } ، القول ، أي : كنا نرجوا أن تكون سيدا فينا . وقيل : كنا نرجوا أن تعود إلى ديننا ، وذلك أنهم كانوا يرجون رجوعه إلى دين عشيرته ، فلما أظهر دعاءهم إلى الله عز وجل وترك الأصنام زعموا أن رجاءهم انقطع عنه ، فقالوا { أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا } من قبل ، من الآلهة ، { وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب } ، موقع للريبة والتهمة ، يقال : أربته إرابة إذا فعلت به فعلا يوجب له الريبة .
{ قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا } لما نرى فيك من مخايل الرشد والسداد أن تكون لنا سيدا ومستشارا في الأمور ، أو أن توافقنا في الدين فلما سمعنا هذا القول منك انقطع رجاؤنا عنك . { أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا } على حكاية الحال الماضية . { وإننا لفي شك مما تدعونا إليه } من التوحيد والتبري عن الأوثان . { مريب } موقع في الريبة من أرابه ، أو ذي ريبة على الإسناد المجازي من أراب في الأمر .
قوله : { مرجواً } معناه : مسوداً ؛ نؤمل فيك أن تكون سيداً سادّاً مسدّ الأكابر ، ثم قرروه على جهة التوبيخ في زعمهم بقولهم : { أتنهانا } وحكى النقاش عن بعضهم أنه قال : معناه حقيراً .
قال القاضي أبو محمد : فأما أن يكون لفظ { مرجواً } بمعنى حقير فليس ذلك في كلام العرب ، وإنما يتجه ذلك على جهة التفسير للمعنى ، وذلك أن القصد بقولهم : { مرجواً } يكون : لقد كنت فينا سهلاً مرامك قريباً رد أمرك ، ممن لا يظن أن يستفحل من أمره مثل هذا فمعنى «مرجو » أي مرجو اطراحه وغلبته ونحو هذا ، فيكون ذلك على جهة الاحتقار ، فلذلك فسر بحقير ، ويشبه هذا المعنى قول أبي سفيان بن حرب : لقد َأِمََر َأْمُر ابن أبي كبشة*** الحديث ؛ ثم يجيء قولهم : { أتنهانا } على جهة التوعد والاستشناع لهذه المقالة منه .
و { ما يعبد آباؤنا } يريدون به الأوثان والأصنام ، ثم أوجبوا أنهم في شك من أمره وأقاويله ، وأن ذلك الشك يرتابون به زائداً إلى مرتبته من الشك قال القاضي : ولا فرق بين هذه الحال وبين حالة التصميم على الكفر ، و { مريب } معناه ملبس متهم ، ومنه قول الشاعر : [ الرجز ]
يا قوم ما بال أبي ذؤيب*** كنت إذا أتيته من غيب
يشم عطفي ويمس ثوبي*** كأنني أربته بريب{[6401]}
هذا جوابهم عن دعوته البليغة الوجيزة المَلأى إرشاداً وهدياً . وهو جواب مُلىء بالضلال والمكابرة وضعف الحجة .
وافتتاح الكلام بالنّداء لقصد التوبيخ أو الملام والتّنبيه ، كما تقدّم في قوله : { قالوا يا هود ما جئتنا ببيّنة } [ هود : 53 ] . وقرينة التّوبيخ هنا أظهر ، وهي قولهم : { قد كنت فينا مرجوا قبل هذا } فإنّه تعريض بخيبة رجائهم فيه فهو تعنيف .
وحذف متعلّق { مرجواً } لدلالة فعل الرجاء على أنّه ترقب الخير ، أي مرجواً للخير ، أي والآن وقع اليأس من خيرك . وهذا يفهم منه أنّهم يَعدّون ما دعاهم إليه شرّاً ، وإنما خاطبوه بمثل هذا لأنّه بعث فيهم وهو شاب ( كذا قال البغوي في تفسير سورة الأعراف ) أي كنت مرجواً لخصال السيادة وحماية العشيرة ونصرة آلهتهم .
والإشارة في { قبل هذا } إلى الكلام الذي خاطبهم به حين بعثه الله إليهم .
وجملة { أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا } بيان لجملة { قد كنت فينا مرجواً } باعتبار دلالتها على التعنيف ، واشتمالها على اسم الإشارة الذي تبيّنه أيضاً جملة { أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا } .
وعبّروا عن أصنامهم بالموصول لِمَا في الصّلة من الدّلالة على استحقاق تلك الأصنام أن يعبدوها في زعمهم اقتداءً بآبائهم لأنّهم أسوة لهم ، وذلك ممّا يزيد الإنكار اتّجاهاً في اعتقادهم .
وجملة { وإنّنا لفي شك } معطوفة على جملة { يا صالح قد كنت فينا مرجواً } ، فبعد أن ذكروا يأسهم من صلاح حاله ذكروا أنّهم يشكون في صدق أنه مرسل إليهم وزادوا ذلك تأكيداً بحرف التأكيد . ومن محاسن النّكت هنا إثبات نون ( إنّ ) مع نون ضمير الجمع لأنّ ذلك زيادة إظهار لحرف التوْكيد والإظهار ضرب من التحقيق بخلاف ما في سورة إبراهيم ( 9 ) من قول الأمم لرسلهم : { وإنّا لفي شكّ ممّا تدعوننا } لأنّ الحكاية فيها عن أمم مختلفة في درجات التّكذيب ، ولأنّ ما في هاته الآية خطاب لواحد ، فكان { تدعونا } بنون واحدة هي نون المتكلم ومَعهُ غيره فلم يقع في الجملة أكثر من ثلاث نونات بخلاف ما في سورة إبراهيم لأنّ الحكاية هنالك عن جمع من الرسل في ( تدعُوننا ) فلو جاء ( إنّنا ) لاجتمع أربع نونات .
والمريب : اسم فاعل من أراب إذا أوقع في الريب ، يقال : رابه وأرابه بمعنى ، ووصف الشك بذلك تأكيد كقولهم : جدّ جدّه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.