اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ يَٰصَٰلِحُ قَدۡ كُنتَ فِينَا مَرۡجُوّٗا قَبۡلَ هَٰذَآۖ أَتَنۡهَىٰنَآ أَن نَّعۡبُدَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ} (62)

ولمَّا قرَّر صالح هذه الدلائل { قَالُواْ ياصالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هذا } أي : كُنَّا نَرْجُو أن تكون سيّداً فينا . وقيل : كُنَّا نَرْجُو أن تعُود إلى ديننا ، وذلك أنَّهُ كان رجلاً قوي الخاطر وكان من قبيلتهم ، فقوي رجاؤهُم في أن ينصر دينهم ، ويقرِّرُ طريقتهم ، فلمَّا دعاهم إلى الله وترك الأصنام زعموا أنَّ رجاءهم انقطع منه فقالوا : { أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } من الآلهة ، فتمسَّكُوا بطريق التقليد .

ونظير تعجُّبهم هذا ما حكاهُ الله - تعالى - عن كفَّار مكَّة في قولهم : { أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ ص : 5 ] .

قوله : { وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ } مما تدعونا إليه مريب هذا هو الأصل ، ويجوز " وإنَّا " بنونٍ واحدةٍ مشدَّدة كما في السورة الأخرى [ إبراهيم : 9 ] . وينبغي أن يكون المحذوفُ النُّونَ الثَّانية من " إنَّ " ؛ لأنَّه قد عُهد حذفها دون اجتماعها مع " نا " ، فحذها مع " نا " أولى ، وأيضاً فإنَّ حذف بعض الأسماءِ ليس بسهلٍ وقال الفرَّاءُ : " مَنْ قال " إنَّنَا " أخرج الحرف على أصله ؛ لأنَّ كتابة المتكلمين " نَا " فاجتمع ثلاثُ نونات ، ومن قال : " إنا " استثقل اجتماعها ؛ فأسقط الثالثة ، وأبقى الأوليين " انتهى . وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك .

قوله : " مُرِيبٍ " اسم فاعل من " أرَاب " يجوز أن يكون متعدِّياً من " أرابهُ " ، أي : أوقعه في الرِّيبة ، أو قاصراً من " أرابَ الرَّجلُ " أي : صار ذا ريبة . ووصف الشَّكُّ بكونه مُريباً بالمعنيين المتقدمين مجازاً .

والشَّك : أن يبقى الإنسان متوقفاً بين النَّفْي والإثبات ، والمُريب : هو الذي يظن به السوء والمعنى : أنَّهُ لَمْ يترجَّحْ في اعتقادهم فساد قوله وهذا مبالغةٌ في تزييف كلامهِ .