{ واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق } من مطر وسماه رزقا ؛ لأنه سببه . { فأحيا به الأرض بعد موتها } يبسها . { وتصريف الرياح } باختلاف جهاتها وأحوالها ، وقرأ حمزة والكسائي " وتصريف الريح " . { آيات لقوم يعقلون } فيه القراءتان ويلزمهما العطف على عاملين في والابتداء ، أو أن إلا أن يضمر في أو ينصب { آيات } على الاختصاص ، أو يرفع بإضمار هي ، ولعل اختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدقة والظهور .
ثم ذكر تعالى اختلاف الليل والنهار والعبرة بالمطر والرياح ، فجعل ذلك { لقوم يعقلون } ، إذ كل عاقل يحصل هذه ويفهم قدرها ، وإن كان هذا النظر ليس بلازم ولا بد فإن اللفظ يعطيه . و : { يبث } معناه : ينشر في الأرض . والدابة : كل حيوان يدب ، أو يمكن فيه أن يدب ، يدخل في ذلك الطير والحوت ، وشاهد الطير قول الشاعر : [ الطويل ]
صواعقها لطيرهن دبيب . . . {[10253]}
دبيب قطا البطحاء في كل منهل . . . {[10254]}
وشاهد الحوت قول أبي موسى : " و قد ألقى البحر دابة مثل الظرب " {[10255]} ودواب البحر لفظ مشهور في اللغة .
وقرأ حمزة والكسائي : «آياتٍ » بالنصب في الموضعين الآخرين . وقرأ الباقون والجمهور : «آياتٌ » بالرفع فيهما ، فأما من قرأ بالنصب فحمل «آياتٍ » في الموضعين على نصب { إن } في قوله { إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين } ولا يعرض في ذلك العطف على عاملين الذي لا يجيزه سيبويه وكثير من النحويين ، لأنا نقدر { في } معادة في قوله : { واختلاف } وكذلك هي في مصحف ابن مسعود : «وفي اختلاف » ، فكأنه قال على قراءة الجمهور : «وفي اختلاف الليل » ، وذلك أن ذكرها قد تقدم في قوله : { وفي خلقكم } فلما تقدم ذكر الجار جاز حذفه من الثاني ، ويقدر مثبتاً كما قدر سيبويه في قول الشاعر [ أبو دؤاد الأيادي ] : [ المتقارب ]
أكل امرئ تحسبين امرأً . . . ونار توقد بالليل نارا ؟{[10256]}
أي وكل نار ، وكما قال الآخر : [ الرجز ]
أوصيت من برة قلباً حرّا . . . بالكلب خيراً والحماة شرّا{[10257]}
أي وبالحمأة ، وهذا الاعتراض كله إنما هو في { آيات }{[10258]} الثاني ، لأن الأول قبله حرف الجر ظاهر . وفي قراءة أبي بن كعب وابن مسعود في الثلاثة المواضع : «لآيات » . قال أبو علي : وهذا يدل على أن الكلام محمول على أن في قراءة من أسقط اللامات في الاثنين الآخرين ، وأما من رفع «آياتٌ » في الموضعين فوجهه العطف على موضع { إن } وما عملت فيه ، لأن موضعها رفع بالابتداء ، ووجه آخر وهو أن يكون قوله : { وفي خلقكم وما يبث } مستأنفاً ، ويكون الكلام جملة معطوفة على جملة ، وقال بعض الناس : يجوز أن يكون جملة في موضع الحال فلا تكون غريبة على هذا .
{ واختلاف الليل والنهار } إما بالنور والظلام ، وإما بكونهما خلفة . والرزق المنزل من السماء : هو المطر ، سماه رزقاً بمآله ، لأن جميع ما يرتزق فعن المطر هو . { وتصريف الرياح } هو بكونها صباً ودبوراً وجنوباً وشمالاً ، وأيضاً فبكونها مرة رحمة ومرة عذاباً ، قاله قتادة ، وأيضاً بلينها وشدتها وبردها وحرها .
وقرأ طلحة وعيسى : «وتصريف الريح » بالإفراد ، وكذلك في جميع القرآن إلا ما كان فيه مبشرات وخالف عيسى في الحجر فقرأ : { الرياح لواقح }{[10259]} [ الحجر : 22 ] .