السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

{ واختلاف الليل والنهار } بذهاب أحدهما ووجود الآخر بعد ذهابه على التعاقب آية متكررة للدلالة على القدرة على الإيجاد بعد الإعدام بالبعث وغيره { وما أنزل الله } أي : الذي تمت عظمته فنفذت كلمته { من السماء من رزق } أي : مطر وغيره من الأسباب المهيئة لإخراج الرزق { فأحيا به } أي : بسببه { الأرض } أي : الصالحة للحياة ، ولذلك قال تعالى { بعد موتها } أي : يبسها وتهشيم ما كان فيها من النبات { وتصريف } أي : تحويل { الرياح } باختلاف جهاتها وأحوالها .

وقرأ حمزة والكسائي بالتوحيد ، والباقون بالجمع . وقوله تعالى { آيات } فيه القراءتان المتقدمتان ، أما الرفع فظاهر وأما الكسر ففيه وجهان ؛ أحدهما : أنها معطوفة على اسم إن والخبر قوله { وفي خلقكم } كأنه قيل : وإن في خلقكم وما يبث من دابة آيات ، والثاني : أن تكون كررت تأكيداً لآيات الأولى ويكون { في خلقكم } معطوفاً على { في السماوات } كرر معه حرف الجر توكيداً ، ونظيره أن تقول : إن في بيتك زيداً وفي السوق زيداً فزيداً الثاني تأكيد للأول كأنك قلت : إن زيداً زيداً في بيتك وفي السوق وليس في هذه عطف على معمولي عاملين ألبتة .

ولما كانت هذه الآية أوضح دلالة من بقيتها على البعث قال تعالى فيها { لقوم يعقلون } الدليل فيؤمنون وأبدى بعض المفسرين معنى لطيفاً فقال : إن المنصفين إذا نظروا في السماوات والأرض وأنه لا بد لهما من صانع آمنوا وإذا نظروا في خلق أنفسهم ونحوها ازدادوا إيماناً فأيقنوا ، فإذا نظروا في سائر الحوادث عقلوا واستحكم علمهم .