الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

ثم قال تعالى : { واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها{[62394]} } ، أي : وإن في تعاقب الليل والنهار ، وما ينزل من السماء من مطر{[62395]} يكون عنه من{[62396]} النبات رزقكم{[62397]} . وسمي الماء رزقا لأن{[62398]} عنه يتكون الرزق في الأرض .

وقوله : { فأحيا به الأرض بعد موتها } أي : أنزل الماء{[62399]} فاهتزت الأرض بالنبات بعد أن كانت لا نبات فيها .

ثم قال : { وتصريف الرياح } ، أي : وكون الرياح مرة شمالا ومرة جنوبا ، ومرة صبا ومرة دبورا{[62400]} ، ونحو ذلك من اختلافها لمنافع الخلق .

{ آيات لقوم يعقلون } أي عبرا وحججا لقوم يعقلون عن الله عز وجل أمره ونهيه ، فيتبعون رسله ، ويفهمون عنهم وحيه .

وقوله : { وما يبث من دابة آيات } النصب في ( آيات ) حسن على معنى : وإن في خلقكم آيات . وحسن ذلك لإعادة حرف الجر مع خلقكم{[62401]} .

ويجوز الرفع من ثلاثة أوجه{[62402]} .

أحدها : أن ( تعطفها على الموضع ){[62403]} مثل قراءة الجماعة : { وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة }[ 31 ] بالرفع{[62404]} ، عطف على موضع { وعد }{[62405]} .

والوجه الثاني : ترفع ( الآيات ) بالابتداء ، وما قبلها خبرها . وتكون قد عطفت ( جملة على ){[62406]} جملة منقطعة كما تقول إن زيدا خارج ، وأن أجيئك غدا{[62407]} .

والوجه الثالث : أن ترفع على الابتداء والخبر والجملة في موضع الحال . مثل قوله : { يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم }{[62408]} .

وأما قوله : { واختلاف الليل والنهار } – إلى قوله – { آيات } ، فالرفع حسن على ما تقدم من الأوجه .

والنصب عند سيبويه ( والأخفش والكسائي ){[62409]} جائز على العطف على عاملين وهما ( إن ) وحرف{[62410]} الجرف لأنك لم تُعِدْ في مع ( الاختلاف ) كما أعدت أولا ( في ){[62411]} مع ( خلقكم ) . فصرت تعطف بالواو على ما{[62412]} عملت{[62413]} فيه ( إن ) وعلى ما عمل فيه حرف الجر . فتخفض ( الاختلاف ) وتنصب ( الآيات ){[62414]} .

ونظير هذا من الكلام قولك : في الدار زيد والحجرة عمرو{[62415]} فتعطف بالواو على ما عملت فيه ( في ){[62416]} وعلى ما عمل{[62417]} فيه الابتداء فتخفض الحجرة{[62418]} وترفع عمرا ، فتعطف على عاملين ( بحذف{[62419]} واحد . ولو أعدت ( في ) لم يكن عطف على عاملين .

ومنع المبرد القراءة بالنصب وقال : لا يجوز العطف على عاملين{[62420]} .

وكان الزجاج يحتج لسيبويه بأن قال : إن{[62421]} من رفع يقول : إنما قطعته مما قبله فرفعته بالابتداء وما قبله رفع فهو أيضا عطف على عاملين لأنه عطف ( واختلاف ) على ( خلقكم ){[62422]} وعطف ( آيات ) على موضع ( آيات ) الأولى{[62423]} .

قال : / فقد صار العطف على عاملين إجماعا{[62424]} .

وهذا ، لا يلزم ، لأن من رفع يقول : إنما قطعته مما قبله فرفعته بالابتداء{[62425]} وما قبله خبره .

وحكى الفراء رفع ( الاختلاف ) ورفع ( الآيات ) . جعل ( الآيات ) هو ( الاختلاف ){[62426]} . وهذا وجه حسن ظاهر لولا أن القراءة سنة .

وإنما بعد العطف على عاملين ( عند المبرد وغيره لأن حرف العطف إنما أتى به لينوب مناب العامل للاختصار . فلم يقرأ{[62427]} أن يجعل ينوب مناب عاملين مختلفين ، ولو جاز أن ينوب مناب عاملين{[62428]} ) لجاز أن ينوب مناب ثلاثة وأكثر ( وهذا لا يقوله أحد{[62429]} ) لأنه لو ناب مناب رافع وناصب لكان [ رافعا{[62430]} ( ناصبا ){[62431]} في حال ، وللزوم أن ينوب مناب رافع وناصب وجاز فيكون ]{[62432]} ناصبا ورافعا جارا في حال . وهذا محال ظاهر على أنهم قد أجمعوا أنه لا يجوز إذا تأخر المجرور ، نحو{[62433]} قولك : زيد في الدار وعمرو الحجرة ، وإنما أجازه من أجازه إذا كان المجرور يلي حرف{[62434]} العطف . وهذا تحكم{[62435]} بغير علة{[62436]} .


[62394]:ساقط من (ح).
[62395]:(من رزق...من مطر) فوق طرة (ت).
[62396]:ساقط من (ح).
[62397]:(ح): (من رزقكم) لم يورد مكي خبر إن في قوله: (إن في تعاقب...).
[62398]:(ح): (لأنه).
[62399]:(ح): (الماء عليها).
[62400]:والدبور: ريح تأتي من دبر الكعبة يذهب نحو المشرق، وقيل هي التي تأتي من خلفك إذا وقفت في القبلة. انظر اللسان (مادة: دبر).
[62401]:(ت): (خلقهم).
[62402]:(ت): (أوجوه). قرأ (آيات) بالرفع: ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عمرو وابن عامر وعاصم، وقرأها بالنصب حمزة والكسائي ويعقوب. انظر الكشف 2/267، وحجة القراءات 658، والسبعة 594، والمحرر الوجيز 14/304، وسراج القارئ 352، وغيث النفع 350، والتبيان 403، وتفسير مجهول بالحفيانية (5).
[62403]:(ت): يعطفها.
[62404]:قرأ السبعة (والساعة) بالرفع إلا حمزة فإنه نصبها. انظر النشر 372، وسراج القارئ 352، والبدور الزاهرة 294.
[62405]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/621، وإعراب النحاس 4/140، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/363.
[62406]:ساقط من (ح).
[62407]:انظر البيان في غريب إعراب القرآن 2/363.
[62408]:آل عمران آية 154. وانظر ذلك في إعراب النحاس 4/140.
[62409]:(ح): (والكسائي والأخفش).
[62410]:(ت): (وحذف).
[62411]:ساقط من (ت).
[62412]:(ما) فوق السطر في (ح).
[62413]:(ت): (علمت).
[62414]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/659، وإعراب النحاس 4/140، والبيان في غريب إعراب القرآن، 2/363.
[62415]:(ت): (والحجارة عمر)، (ح): (وعمرو الحجرة) والتصويب من إعراب النحاس 4/141.
[62416]:ساقط من (ح).
[62417]:ساقط من (ح).
[62418]:(ت): (الحجارة).
[62419]:(ت): (تحذف).
[62420]:انظر الكامل 1/238.
[62421]:ساقط من (ح).
[62422]:(ح): (وفي خلقكم).
[62423]:(ح): (الأول).
[62424]:انظر معاني الزجاج 4/431، وإعراب النحاس 4/141.
[62425]:في طرة (ت).
[62426]:أي جعل (الآيات) بدلا من (الاختلاف). انظر إعراب النحاس 4/141.
[62427]:كذا في (ت). ولعل الصواب. (يُقَرَّ) والله أعلم.
[62428]:ساقط من (ح).
[62429]:ساقط من (ت).
[62430]:(ت): (رافعا، وهذا لا يقر به أحد).
[62431]:(ت): (ناصب)، وهو ساقط من (ح).
[62432]:ساقط من (ح).
[62433]:(ت): (ونحو).
[62434]:(ت): (حذف).
[62435]:(ح): (الحكم).
[62436]:ذكر ابن الأنباري أن العطف بالواو على عاملين مختلفين لا يجوز عند البصريين إلا الأخفش، فإنه أجار ذلك. وجميع البصريين على خلافه لضعفه لأن قصارى الواو أن تقوم مقام عامل واحد. انظر البيان في غريب إعراب القرآن 2/364.