إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

{ واختلاف الليل والنهار } بالجرِّ على إضمارِ الجارِّ المذكورِ في الآيتينِ قبلَهُ . وقد قُرِئ بذكرِه . والمرادُ باختلافِهما إمَّا تعاقُبهما أو تفاوتُهما طولاً وقِصَراً . { وَمَا أَنزَلَ الله مِنَ السماء } عطفٌ على اختلافِ { مِن رزْقِ } أي من مطرٍ ، وهو سبب للرزقِ عُبرَ عنهُ بذلكَ تنبيهاً على كونِه آيةً من جِهتَيْ القُدرةِ والرحمةِ . { فَأحْيَى بِهِ الأرض } بأنْ أخرجَ منها أصنافَ الزروعِ والثمراتِ والنباتِ . { بَعْدَ مَوْتِهَا } وعرائها عن آثارِ الحياةِ وانتقاءِ قوةِ التنميةِ عنها وخُلوِّ أشجارِها عن الثمارِ . { وَتَصْرِيفِ الرياح } من جهةٍ إلى أُخرى ، ومن حالٍ إلى حالٍ . وقُرئ بتوحيدِ الريحِ . وتأخيرُه عن إنزالِ المطرِ مع تقدمِه عليهِ في الوجودِ ، إمَّا للإيذانِ بأنه آيةٌ مستقلةٌ حيثُ لو رُوعيَ الترتيبُ الوجوديُّ لربما تُوهم أنَّ مجموعَ تصريفِ الرياحِ وإنزالِ المطرِ آيةٌ واحدةٌ ، وإمَّا لأنَّ كونَ التصريفِ آيةً ليسَ لمجردِ كونِه مبدأً لإنشاءِ المطرِ بل لهُ ولسائرِ المنافعِ التي من جُملتها سوقُ السفنِ في البحارِ . { آيَاتٌ لقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } بالرفعِ على أنَّه مبتدأٌ خبرُهُ ما تقدمَ من الجارِّ والمجرورِ . والجملةُ معطوفةٌ على ما قبلَها . وقُرِئَ بالنصبِ على الاختصاصِ ، وقيلَ : على أنَّها اسمُ أنَّ والمجرورُ المتقدمُ خبرُها بطريقِ العطفِ على معمولَي عاملينِ مختلفينِ هُمَا أنَّ وفي أقيمتِ الواوُ مُقامَهُما فعملتِ الجرَّ في اختلافِ والنصبَ في آياتٍ . وتنكيرُ آياتٍ في المواقعِ الثلاثةِ للتفخيمِ كماً وكيفاً واختلافُ الفواصلِ لاختلافِ مراتبِ الآياتِ في الدقةِ والجلاءِ .