المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

123- فهال هذا الأمر فرعون ، وأثار حميته فقال : هل آمنتم وصدقتم برب موسى وهارون قبل أن آذن لكم ؟ إن هذا الصنيع الذي صنعتموه أنتم وموسى وهارون كان بالاتفاق ، وليس إلا مكراً مكرتموه في المدينة ( مصر ) لأجل أن تخرجوا منها أهلها بمكركم ، فسوف ترون ما يحل بكم من العذاب جزاء اتباعكم موسى وهارون ، وعقاباً على هذا المكر والخداع .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

قوله تعالى : { قال } لهم .

قوله تعالى : { فرعون } حين آمنوا .

قوله تعالى : { آمنتم به } قرأ حفص آمنتم على الخبر هاهنا وفي طه ، والشعراء ، وقرأ الآخرون بالاستفهام ، أآمنتم به .

قوله تعالى : { قبل أن آذن لكم } ، أصدقتم موسى من غير أمري إياكم .

قوله تعالى : { إن هذا لمكر مكرتموه } ، أي : صنع صنعتموه أنتم وموسى .

قوله تعالى : { في المدينة } في مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع لتستولوا على مصر .

قوله تعالى : { لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون } ما أفعل بكم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

يخبر تعالى عما توعد به فرعون ، لعنه الله ، السحرة لما آمنوا بموسى ، عليه السلام ، وما أظهره للناس من كيده ومكره في قوله : { إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا } أي : إن غَلَبَه لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك ، كقوله في الآية الأخرى : { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ } [ طه : 70 ] وهو يعلم وكلّ من له لب أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل ؛ فإن موسى ، عليه السلام ، بمجرد ما جاء من " مَدْين " دعا فرعون إلى الله ، وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ما جاء به ، فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن ملكه ومعاملة سلطنته ، فجمع سحرة متفرقين من سائر الأقاليم ببلاد مصر ، ممن اختار هو والملأ من قومه ، وأحضرهم عنده ووعدهم بالعطاء الجزيل . وقد كانوا من أحرص الناس على ذلك ، وعلى الظهور في مقامهم ذلك والتقدم عند فرعون ، وموسى ، عليه السلام ، لا يعرف أحدا منهم ولا رآه ولا اجتمع به ، وفرعون يعلم ذلك ، وإنما قال هذا تسترا وتدليسا على رعاع دولته وجَهَلتهم ، كما قال تعالى : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } [ الزخرف : 54 ] فإن قوما صدّقوه في قوله : { أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى } [ النازعات : 24 ] من أجْهَل خلق الله وأضلهم .

وقال السدي في تفسيره بإسناده المشهور عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة ، في قوله تعالى : { إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ } قاوا : التقى موسى ، عليه السلام ، وأميرُ السحرة ، فقال له موسى : أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي ، وتشهد أن ما جئت به حق ؟ قال الساحر : لآتين غدا بسحر لا يغلبه سحر ، فوالله لئن غلبتني لأومنن بك ولأشهدن أنك حق . وفرعون ينظر إليهما ، قالوا : فلهذا قال ما قال .

وقوله : { لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا } أي : تجتمعوا أنتم وهو ، وتكون لكم{[12017]} دولة وصولة ، وتخرجوا منها الأكابر والرؤساء ، وتكون الدولة والتصرف لكم ، { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي : ما أصنع بكم .


[12017]:في ك، م: "لهم".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

وقول فرعون { قبل أن آذن لكم } دليل على وهن أمره لأنه إنما جعل ذنبهم مفارقة الإذن ولم يجعله نفس الإيمان إلا بشرط ، وقرأ عاصم في رواية حفص عنه في كل القرآن «آمنتم » على الخبر ، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر «آمنتم » بهمزة ومدة على الاستفهام وكذلك في طه والشعراء ، وقرأ حمزة والكسائي في الثلاثة المواضيع «أآمنتم » بهمزتين الثانية ممدودة ، ورواها الأعمش عن أبي بكر عن عاصم ، وقرأ ابن كثير في رواية أبي ا?خريط عنه «وآمنتم » وهي على ألف الاستفهام إلا أنه سهلها واواً فأجرى المنفصل مجرى المتصل في قولهم تودة في تؤدة ، وقرأ قنبل عن القواس «وآمنتم » وهي على القراءة بالهمزتين «اآمنتم » إلا أنه سهل ألف الاستفهام واواً وترك ألف أفعلتم على ما هي عليه ، والضمير في { به } يحتمل أن يعود على اسم الله تعالى ، ويحتمل أن يعود على موسى عليه السلام ، وعنفهم فرعون على الإيمان قبل إذنه ثم ألزمهم أن هذا كان على اتفاق منهم ، وروي في ذلك عن ابن عباس وابن مسعود : أن موسى اجتمع مع رئيس السحرة واسمه شمعون فقال له موسى : أرأيت إن غلبتكم أتؤمنون بي فقال له نعم ، فعلم بذلك فرعون ، فلذلك قال { إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

قوله : { أآمنتم } قرأه الجمهور بصيغة الاستفهام بهمزتين فمنهم من حققها ، وهم : حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، وروْح عن يعقوب ، وخلفٌ ، ومنهم من سهل الثانية مَدّة ، فصار بعد الهمزة الأولى مدتان ، وهؤلاء هم : نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وقرأه حفص عن عاصم بهمزة واحدة فيجوز أن يكون إخباراً ، ويجوز أن تكون همزة الاستفهام محذوفة وما ذلك ببدع .

والاستفهام للإنكار والتهديد مجازاً مرسلاً مركباً ، والإخبار مستعمل كذلك أيضاً لظهور أنه لا يقصد حقيقة الاستفهام ولا حقيقة الإخبار لأن المخاطبين صرحُوا بذلك وعلموه ، والضمير المجرور بالباء عائد إلى موسى ، أي : آمنتم بما قاله ، أو إلى رب موسى .

وجملة : { إن هذا لمكر } الخ . . . خبر مراد به لازم الفائدة أي : قد علمتُ مرادكم لأن المخاطَب لا يخبَر بشيء صَدر منه ، كقول عنترة :

إنْ كنتتِ أزمعتِ الفراق فإنما *** زُمّتْ ركابُكُم بليل مظلم

أي : إن كنت أخفيتِ عني عزمك على الفراق فقد علمتُ أنكم شددتُم رحالكم بليل لترحلوا خفية .

وقوله : { قَبْلَ أنْ آذنَ لكُم } ترق في موجب التوبيخ ، أي لم يكفكم أنكم آمنتم بغيري حتى فعلتم ذلك عن غير استئذان ، وَفصْلها عما قبلها لأنها تعداد للتوبيخ .

والمكر تقدم عند قوله تعالى : { ومكروا ومكر الله } في سورة آل عمران ( 54 ) ، وتقدم آنفاً عند قوله تعالى : { أفأمنوا مَكر الله } [ الأعراف : 99 ] والضمير المنصوب في { مكرتموه } ضمير المصدر المؤكّد لفعله .

و { في } ظرفية مجازية : جعل مكرهم كأنه موضوع في المدينة كما يوضع العنصر المفسد ، أي : أردتم إضرار أهلها ، وليست ظرفية حقيقية لأنها لا جدوى لها إذ معلوم لكل أحد أن مكرهم وقع في تلك المدينة ، وفسره في « الكشاف » بأنهم دبروه في المدينة حين كانوا بها قبل الحضور إلى الصحراء التي وقعت فيها المحاورة ، وقد تبين أن المراد بالظرفية ما ذكرناه بالتعليل الذي بعدها في قوله : { لتخرجوا منها أهلها } والمراد هنا بعض أهلها ، وهم بنو إسرائيل ، لأن موسى جاء طلباً لإخراج بني إسرائيل كما تقدم .

وقول فرعون هذا يحتمل أنه قاله موافقاً لظنه على سبيل التهمة لهم لأنه لم يكن له علم بدقائق علم السحر حتى يفرق بينه وبين المعجزة الخارقة للعادة ، فظن أنها مكيدة دبرها موسى مع السحرة ، وأنه لكونه أعلمهم أو معلمهم أمرهم فاتمروا بأمره ، كما في الآية الأخرى { إنه لكبيركم الذي علمكم السحر } [ طه : 71 ] .

ويحتمل أنه قاله تمويهاً وبهتاناً ليصرف الناس عن اتباع السحرة ، وعن التأثر بغلبة موسى إياهم فيدخل عليهم شكاً في دلالة الغلبة واعتراف السحرة بها ، وأن ذلك مواطاة بين الغالب والمغلوب لغاية مقصودة ، وهو موافق في قوله هذا ، لما كان أشار به .

الملأ من قومه حين قالوا : { يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره } [ الشعراء : 35 ] وأيّا ما كان فعزمه على تعذيبهم مصير إلى الظلم والغشم لأنه ما كان يحق له أن يأخذهم بالتهمة ، بله أن يعاقبهم على المصير إلى الحجة ، ولكنه لما أعجزته الحجة صار إلى الجبروت .