هذه السورة مكية ، وعدد آياتها ثلاث وخمسون ، وسميت الشورى لإرشادها المؤمنين إلى السير في تصريف أمور مجتمعهم على أساس الشورى ، إحقاقا للحق ، وتقريرا للعدل ، وقد اشتملت على كثير من مسائل الدين وأدلة العقائد .
وقد افتتحت بالتنويه بشأن القرآن وبأنه وحي من عند الله ، وردت طعن الكافرين ، وحرصت على تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وانتقلت بعد ذلك إلى تقرير قدرة الله الذي أنزله وعظم سلطانه ، وكفر بعض الناس مع وضوح الأدلة على أنه من عند الله ، ببيان اختلافهم في إدراك الحق ، وبعده أكدت قدرته تعالى على كل شيء ، ثم أثبتت وحدة الشرائع ، وأشارت إلى من كفر به مع ذلك ، كما أشارت إلى إرشاد الكتب السماوية إلى الحق ، وقد نددت السورة بشرك المشركين واختلافهم في الحق ظلما ، واستعجال المكذبين بالقيامة استهزاء ، وأرشدت إلى ما يجب اتباعه في دعوة الناس إلى الدين ، كما بينت عظم لطف الله بعباده ، وحذرت السورة من الانهماك في طلب الدنيا فحسب ، وبينت سوء حال الجاحدين وحسن حال المؤمنين في الآخرة ، ونددت بادعاء المكذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم افتراء القرآن ، مع عجزهم عن الإتيان بأقصر سورة من مثله ، ثم أبانت قبول الله توبة المؤمنين ، والحكمة في توزيع الرزق بين الناس بتقدير محكم ، فلم يكونوا جميعا أغنياء بغيهم ، ولم يكونوا فقراء خشية هلاكهم ، بل وسع لبعض وضيق على آخرين .
وأوضحت عظم بركات الغيث ، ودلائل قدرة الله في هذا الوجود ، وأن مصائب الدنيا تحصل بسبب المعاصي ، ثم كرر سبحانه بأسلوب آخر حال المؤمنين والمكذبين في الآخرة ، وما يكون عليه المكذبون من ذل ، ودعت إلى المبادرة بإجابة دعوة الله من قبل أن تنتهي الحياة التي هي فرصة العمل ، كما عنيت السورة بتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان حكمة الله وقدرته سبحانه على هبة الإناث لمن يشاء ، والذكور لفريق آخر ، والجمع بينهما لثالث ، وحرمان فريق رابع منهما ، ثم ذكرت طرق خطاب الله تعالى لأنبيائه ، وختمت ببيان الطريق الحق المستقيم الذي يجب اتباعه .
1 - حم . عسق : افتتحت هذه السورة بهذه الحروف الصوتية على طريقة القرآن الكريم في افتتاح كثير من السور بمثل هذه الحروف .
قوله تعالى :{ حم عسق } سئل الحسين بن الفضل : لم يقطع حم عسق ولم يقطع كهيعص ؟ فقال : لأنها سورة أوائلها حم ، فجرت مجرى نظائرها ، فكان حم مبتدأ و عسق خبره ، ولأنهما عدا آيتين ، وأخواتها مثل : كهيعص ، والمص ، و المر عدت آية واحدة . وقيل : لأن أهل التأويل لم يختلفوا في كهيعص وأخواتها أنها حروف التهجي لا غير ، واختلفوا في حم فأخرجها بعضهم من حيز الحروف ، وجعلها فعلاً ، وقال : معناها حم أي : قضى ما هو كائن . وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ح حلمه ، م مجده ، ع علمه ، س سناؤه ، ق قدرته ، أقسم الله بها . وقال شهر بن حوشب و عطاء بن أبي رباح : ح حرب يعز فيها الذليل ، ويذل فيها العزيز من قريش ، م ملك ، ع عدو لقريش يقصدهم ، س سيء ، يكون فيهم ، ق قدرة الله النافذة في خلقه . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ليس من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحيت إليه { حم عسق } فلذلك قال : { كذلك يوحي إليك }
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة . وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا منكرا ، فقال : حدثنا أحمد بن زُهَير ، حدثنا عبد الوهاب بن نَجْدَةَ الحَوْطي ، حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، عن أرطاة بن المنذر{[25757]} قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال له - وعنده حُذيفة بن اليمان - : أخبرني عن تفسير قول الله : { حم عسق } قال : فأطرق ثم أعرض عنه ، ثم كرر مقالته فأعرض عنه ، فلم يجبه بشيء وكره مقالته ، ثم كررها الثالثة فلم يُحِرْ إليه شيئا . فقال حذيفة{[25758]} : أنا أنبئك بها ، قد عرفت لم كرهها ؟ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له " عبد الإله " - أو : عبد الله - ينزل على نهر من أنهار المشرق تُبْنَى عليه مدينتان{[25759]} ، يشق النهر بينهما شقا ، فإذا أذن الله في زوال ملكهم وانقطاع دولتهم ومدتهم ، بعث الله على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة وقد احترقت ، كأنها لم تكن مكانها ، وتصبح صاحبتها متعجبة : كيف أفلتت ؟ فما هو إلا بياض يومها ذلك ، حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم ، ثم يخسف الله بها وبهم جميعا ، فذلك قوله : { حم عسق } يعني : عزيمة من الله تعالى وفتنة وقضاء حُمّ : { حم } عين : يعني عدلا منه ، سين : يعني سيكون ، ق : يعني واقع بهاتين المدينتين{[25760]} .
وأغرب منه ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في الجزء الثاني من مسند ابن عباس ، وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ولكن إسناده ضعيف جدا ومنقطع ، فإنه قال :
حدثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم ، حدثنا أبو عبد الملك الحسن بن يحيى الخُشَني الدمشقي ، عن أبي معاوية قال : صعد عمر بن الخطاب المنبر فقال : أيها الناس هل سمع منكم أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر { حم عسق } ؟ فوثب ابن عباس فقال : أنا : قال : " { حم } اسم من أسماء الله تعالى " قال : فعين ؟ قال : " عاين المولون عذاب يوم بدر " قال : فسين ؟ قال : " سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " قال : فقاف ؟ فسكت فقام أبو ذر ، ففسر كما قال ابن عباس ، رضي الله عنهما ، وقال : قاف : قارعة من السماء تغشى الناس {[25761]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.