فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشورى

هي ثلاث وخمسون آية ، وهي مكية كلها . أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت { حم * عسق } بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله ، وكذا قال الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . وروي عن ابن عباس وقتادة أنها مكية إلا أربع آيات منها أنزلت بالمدينة { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } إلى آخرها . وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ونعيم بن حماد والخطيب عن أرطأة بن المنذر قال : جاء رجل إلى ابن عباس وعنده حذيفة بن اليمان فقال : أخبرني عن تفسير حم عسق ، فأعرض عنه ، ثم كرر مقالته فأعرض عنه وكرر مقالته ، ثم كررها الثالثة فلم يجبه ، فقال له حذيفة : أنا أنبئك بها لم كرهها ؟ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد إله أو عبد الله ينزل على نهر من أنهار المشرق ، يبني عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقاً ، يجتمع فيهما كل جبار عنيد ، فإذا أذن الله في زوال ملكهم وانقطاع دولتهم ومدتهم بعث الله على إحداهما ناراً ليلاً فتصبح سوداء مظلمة قد احترقت كأنها لم تكن مكانها ، وتصبح صاحبتها متعجبة كيف افتلتت ، فما هو إلا بياض يومها ذلك حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم ، ثم يخسف الله بها وبهم جميعاً ، فذلك قوله : { حم عسق } يعني عزيمة من الله وفتنة وقضاء جمع : يعني عدلا منه ، سين : يعني سيكون ، ق لهاتين المدينتين . أقول : هذا الحديث لا يصح ولا يثبت وما أظنه إلا من الموضوعات المكذوبات ، والحامل لواضعه عليه ما يقع لكثير من الناس من عداوة الدول والحط من شأنهم والإزراك عليهم . وأخرج أبو يعلى وابن عساكر قال السيوطي بسند ضعيف : قلت : بل بسند موضوع ومتن مكذوب عن أبي معاوية قال : صعد عمر ابن الخطاب المنبر فقال : أيها الناس هل سمع منكم أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر { حم عسق } فوثب ابن عباس فقال : إن حم اسم من أسماء الله ، قال : فعين قال : عاين المذكور عذاب يوم بدر ، قال : فسين ، قال : { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } قال : فقاف فسكت ، فقام أبو ذر ففسر كما قال ابن عباس وقال : قاف قارعة من السماء تصيب الناس . قال ابن كثير في الحديث الأول : إنه غريب عجيب منكر ، وفي الحديث الثاني : إنه أغرب من الحديث الأول . وعندي أنهما موضوعان مكذوبان .

قوله : { حم . عسق } قد تقدّم الكلام في أمثال هذه الفواتح ، وسئل الحسن بن الفضل لم قطع : { حم عسق } ، ولم يقطع { كهيعص } ، فقال : لأنها سور أوّلها { حم } ، فجرت مجرى نظائرها ، فكأن { حم } مبتدأ ، و{ عسق } خبره ، ولأنهما عدا آيتين . وأخواتهما مثل : { كهيعص } ، و{ المرا } ، و{ المص } آية واحدة . وقيل : لأن أهل التأويل لم يختلفوا في : { كهيعص } وأخواتها أنها حروف التهجي لا غير ، واختلفوا في { حم } ، فقيل معناها حم ، أي قضى كما تقدّم . وقيل : إن " ح " حلمه ، و " م " مجده ، و " ع " علمه ، و " س " سناه ، و " ق " قدرته ، أقسم الله بها . وقيل غير ذلك مما هو متكلف متعسف لم يدلّ عليه دليل ، ولا جاءت به حجة ، ولا شبهة حجة ، وقد ذكرنا قبل هذا ما روي في ذلك مما لا أصل له ، والحق ما قدّمناه لك في فاتحة سورة البقرة . وقيل : هما اسمان للسورة . وقيل : اسم واحد لها ، فعلى الأوّل يكونان خبرين لمبتدأ محذوف ، وعلى الثاني يكون خبراً لذلك المبتدأ المحذوف . وقرأ ابن مسعود وابن عباس : ( حم* سقا ) .

/خ12