قوله تعالى : { ومن الليل فسبحه } أي : صل له ، قال مقاتل : يعني صلاة المغرب والعشاء . { وإدبار النجوم } يعني : الركعتين قبل صلاة الفجر ، وذلك حين تدبر النجوم أي تغيب بضوء الصبح ، هذا قول أكثر المفسرين . وقال الضحاك : هو فريضة صلاة الصبح .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه أنه قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور " .
وقوله : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } أي : اذكره واعبده بالتلاوة والصلاة في الليل ، كما قال : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } [ الإسراء : 79 ] .
وقوله : { وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } قد تقدم في حديث ابن عباس أنهما الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر ، فإنهما مشروعتان عند إدبار النجوم ، أي : عند جنوحها للغيبوبة . وقد روى{[27548]} [ في حديث ]{[27549]} ابن سيلان ، عن أبي هريرة مرفوعا : " لا تَدَعُوهما ، وإن طردتكم الخيل " . يعني : ركعتي الفجر{[27550]} رواه أبو داود . ومن هذا الحديث حكي عن بعض أصحاب الإمام أحمد القول بوجوبهما ، وهو ضعيف لحديث : " خمس صلوات في اليوم والليلة " . قال : هل علي غيرها{[27551]} ؟ قال : " لا إلا أن تطوع " {[27552]} وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر{[27553]} وفي لفظ لمسلم : " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " {[27554]}
آخر تفسير سورة الطور [ والله أعلم ] {[27555]}
وقوله : وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ يقول : ومن الليل فعظّم ربك يا محمد بالصلاة والعبادة ، وذلك صلاة المغرب والعشاء . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ قال : ومن الليل صلاة العشاء وَإدْبارَ النّجُومِ يعني حين تدبر النجوم للأفول عند إقبال النهار . وقيل : عُنِي بذلك ركعتا الفجر . ذكر بعض من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَسَبّحْهُ وَإدْبارَ النّجُومِ قال : هما السجدتان قبل صلاة الغداة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ وَإدْبارَ النّجُومِ كنا نحدّث أنهما الركعتان عند طلوع الفجر . قال : وذُكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول : لهما أحبّ إليّ من حُمْر النّعَم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفي ، عن سعيد بن هشام عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ركعتي الفجر «هُمَا خَيرٌ مِنَ الدّنيْا جَمِيعا » .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَإدْبارَ النّجُومِ قال : ركعتان قبل صلاة الصبح .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ وحماد بن مسعدة قالا : حدثنا حميد ، عن الحسن ، عن علي ، في قوله : وَإدْبارَ النّجُومِ قال : الركعتان قبل صلاة الصبح .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، قال : قال عليّ رضي الله عنه إدْبارَ النّجُومِ الركعتان قبل الفجر .
وقال آخرون : عنى بالتسبح إدْبارَ النّجُومِ : صلاة الصبح الفريضة . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَإدْبارَ النّجُومِ قال : صلاة الغداة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإدْبارَ النّجُومِ قال : صلاة الصبح .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عني بها : الصلاة المكتوبة صلاة الفجر ، وذلك أن الله أمر فقال : وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ وَإدْبارَ النّجُومِ والركعتان قبل الفريضة غير واجبتين ، ولم تقم حجة يجب التسليم لها ، أن قوله فسبحه على الندب ، وقد دللنا في غير موضع من كتبنا على أمر الله على الفرض حتى تقوم حجة بأنه مراد به الندب ، أو غير الفرض بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
و{ من الليل } أي زمناً هو بعض الليل ، فيشمل وقت النهي للنوم وفيه تتوارد على الإنسان ذكريات مهماته ، ويشمل وقت التهجد في الليل .
وقوله : { فسبحه } اكتفاء ، أي واحمده .
وانتصب { وإدبار النجوم } على الظرفية لأنه على تقدير : ووقت إدبار النجوم .
والإِدبار : رجوع الشيء من حيث جاء لأنه ينقلب إلى جهة الدُبر ، أي الظهر .
وإدبار النجوم : سقوط طوالعها ، فإطلاق الإِدبار هنا مجاز في المفارقة والمزايلة ، أي عند احتجاب النجوم . وفي الحديث : " إذا أقبل الليل من ههنا ( الإِشارة إلى المشرق ) وأدْبر النهار من ههنا ( الإِشارة إلى جهة المغرب ) فقد أفطر الصائم " . وسقوط طوالعها التي تطلع : أنها تسقط في جهة المغرب عند الفجر إذا أضاء عليها ابتداء ظهور شعاع الشمس ، فإدبار النجوم : وقت السحر ، وهو وقت يستوفي فيه الإِنسان حظه من النوم ، ويبقى فيه ميل إلى استصحاب الدَّعَة ، فأمر بالتسبيح فيه ليفصل بين النوم المحتاج إليه وبين التناوم الناشىء عن التكاسل ، ثم إن وجد في نفسه بعد التسبيح حاجة إلى غفوة من النوم اضطجع قليلاً إلى أن يحين وقت صلاة الصبح ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع بعد صلاة الفجر حتى يأتيه المؤذن بصلاة الصبح .
والنجوم : جمع نجم وهو الكوكب الذي يضيء في الليل غير القمر ، وتقدم عند قوله تعالى : { وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم } في سورة النحل ( 12 ) .
والآية تشير إلى أوقات الرغائب من النوافل وهي صلاة الفجر والأشفاع بعد العشاء وقيام آخر الليل . وقيل : إشارت إلى الصلوات الخمس بوجه الإِجمال وبيّنتهُ السنة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.