في هذه السورة أمر الله رسوله بقيام قدر كبير من الليل ، للصلاة وقراءة القرآن مرتلا فيها ، فقام هو وطائفة من الذين معه ، ثم خفف الله عنهم في آخرها ، وأمرهم بالصلاة والزكاة والصدقة والاستغفار .
وفي أثنائها أمره بالصبر على ما يقول المكذبون ، وتركهم لما أعده الله لهم من العذاب ، وهدد الكافرين بمثل العذاب الذي وقع على فرعون ومن معه حين عصوا رسول ربهم وخوفهم ببعض أهوال القيامة .
1 - يا أيها المتلفف بثيابه ، قُمْ الليل مصلياً إلا قليلاً ، قُمْ نصفْ الليل أو انقص من النصف قليلاً حتى تصل إلى الثلث ، أو زد على النصف حتى تصل إلى الثلثين ، واقرأ القرآن متمهلاً مبيناً للحروف والوقوف قراءة سالمة من أي نقصان .
{ بسم الله الرحمن الرحيم . يا أيها المزمل }أي الملتف بثوبه . وأصله التزمل ، أدغمت التاء في الزاي ، ومثله المدثر أدغمت التاء في الدال ، يقال : تزمل وتدثر بثوبه ، إذا تغطى به . وقال السدي : أراد يا أيها النائم قم فصل . قال الحكماء : كان هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في أول الوحي قبل تبليغ الرسالة ، ثم خوطب بعد بالنبي والرسول .
قال الحافظ أبو بكر [ أحمد ]{[1]} بن عمرو بن عبد الخالق البزار : حدثنا محمد بن موسى القطان الواسطي ، حدثنا معلى بن عبد الرحمن ، حدثنا شريك ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر قال : اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا : سموا هذا الرجل اسمًا تصدر{[2]} الناس عنه . فقالوا : كاهن . قالوا : ليس بكاهن . قالوا : مجنون قالوا : ليس بمجنون . قالوا : ساحر . قالوا : ليس بساحر . فتفرق المشركون على ذلك ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فتزمل في ثيابه وتدثر فيها . فأتاه جبريل ، عليه السلام ، فقال : " يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ " " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ " .
ثم قال البزار : معلى بن عبد الرحمن : قد حدث عنه جماعة من أهل العلم ، واحتملوا حديثه ، لكن تفرد بأحاديث لا يتابع عليها . {[3]}
يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يترك التزمل ، وهو : التغطي في الليل ، وينهض إلى القيام لربه عز وجل ، كما قال تعالى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [ السجدة : 16 ] وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتثلا ما أمره الله تعالى به من قيام الليل ، وقد كان واجبًا عليه وحده ، كما قال تعالى : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } [ الإسراء : 79 ] وهاهنا بين له مقدار ما يقوم ، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا } ء
قال ابن عباس ، والضحاك ، والسدي : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ } يعني : يا أيها النائم . وقال قتادة : المزمل في ثيابه ، وقال إبراهيم النخعي : نزلت وهو متزمل بقطيفة .
وقال شبيب بن بِشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ } قال : يا محمد ، زُمّلتَ القرآن .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الْمُزّمّلُ * قُمِ الْلّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } .
يعني بقوله : يأَيّها المُزّمّلُ هو الملتفّ بثيابه . وإنما عني بذلك نبيّ الله صلى الله عليه وسلم .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الاَية من التزمّل ، فقال بعضهم : وصفه بأنه مُتَزمل في ثيابه ، متأهب للصلاة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يَأَيّها المُزّمّل : أي المتزمل في ثيابه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة يَأَيّها المُزّمّلُ هو الذي تزمّل بثيابه .
وقال آخرون : وصفه بأنه متزمّل النبوّة والرسالة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عكرِمة ، في قوله : يأيّها المُزّمِلُ قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً قال : زُمّلت هذا الأمر فقم به .
قال أبو جعفر : والذي هو أولى القولين بتأويل ذلك ، ما قاله قتادة ، لأنه قد عقبه بقوله : قُم اللّيْلَ فكان ذلك بيانا عن أن وصفه بالتزمّل بالثياب للصلاة ، وأن ذلك هو أظهر معنييه .
بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها المزمل أصله المتزمل من تزمل بثيابه إذا تلفف بها فأدغم التاء في الزاي وقد قرئ به وب المزمل مفتوحة الميم ومكسورتها أي الذي زمله غيره أو زمل نفسه سمي به النبي صلى الله عليه وسلم تهجينا لما كان عليه فإنه كان نائما أو مرتعدا مما دهشه من بدء الوحي متزملا في قطيفة أو تحسينا له إذ روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي متلففا بمرط مفروش على عائشة رضي الله تعالى عنها فنزلت أو تشبيها له في تثاقله بالمتزمل لأنه لم يتمرن بعد في قيام الليل أو من تزمل الزمل إذا تحمل الحمل أي الذي تحمل أعباء النبوة .
بسم الله الرحمن الرحيم سورة المزمل وهي مكية كلها في قول المهدوي وجماعة{[1]} وقال الجمهور هي مكية إلا قوله تعالى 'إن ربك يعلم' المزمل 20 إلى آخر السورة فإن ذلك نزل بالمدينة{[2]} قوله عز وجل سورة المزمل1 - 10
قوله تعالى : { يا أيها المزمل } نداء للنبي صلى الله عليه وسلم ، واختلف الناس لمَ نودي بهذا ، فقالت عائشة والنخعي وجماعة : لأنه كان وقت نزول الآية متزملاً بكساء ، والتزمل : الالتفاف في الثياب بضم وتشمير ، ومنه قول امرئ القيس : [ الطويل ]
كأن أبانا في أفانين ودقة . . . كبير أناس في بجاد مزمل{[11386]}
أي ملفوف ، وخفض مزمل في هذا البيت هو على الجوار ، وإنما هو نعت لكبير ، فهو عليه السلام على قول هؤلاء ، إنما دعي بهيئة في لباسه . وقال قتادة ، كان تزمل في ثيابه للصلاة واستعد فنودي على معنى يا أيها المستعد للعبادة المتزمل لها ، وهذا القول مدح له صلى الله عليه وسلم . وقال عكرمة معناه : { يا أيها المزمل } للنبوءة وأعبائها ، أي المتشمر المجدّ . وقال جمهور المفسرين والزهري بما في البخاري من أنه عليه السلام لما جاءه الملك في غار حراء وحاوره بما حاوره رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة فقال : زملوني زملوني : فنزلت { يا أيها المدثر } [ المدثر : 1 ] ، وعلى هذا نزلت { يا أيها المزمل } . وفي مصحف ابن مسعود وأبي بن كعب «يا أيها المتزمل » . وقرأ بعض السلف «يا أيها المزَمَّل » بفتح الزاي وتخفيفها وفتح الميم وشدها ، والمعنى الذي زمله أهله أو زمل للنبوءة . وقرأ عكرمة «يا أيها المزمِّل » بكسر الميم المشددة وتخفيف الزاي أي المزمل نفسه .