قوله تعالى : { وعلى الله قصد السبيل } يعني : بيان طريق الهدى من الضلالة . وقيل : بيان الحق بالآيات والبراهين والقصد الصراط المستقيم . { ومنها جائر } يعني : ومن السبيل جائر عن الاستقامة معوج ، فالقصد من السبيل : دين الإسلام ، والجائر منها : اليهودية ، والنصرانية ، وسائر ملل الكفر . قال جابر بن عبد الله { قصد السبيل } : بيان الشرائع والفرائض . وقال عبد الله بن المبارك ، وسهل بن عبد الله : قصد السبيل السنة ، { ومنها جائر } الأهواء والبدع ، دليله قوله تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل } [ الأنعام-153 ] . { ولو شاء لهداكم أجمعين } ، نظيره قوله تعالى : { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها } [ السجدة-13 ] .
لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يُسَار عليه في السبل الحسية ، نبه على الطرق المعنوية الدينية ، وكثيرًا ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية النافعة الدينية ، كما قال تعالى : { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [ البقرة : 197 ] ، وقال : { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } [ الأعراف : 26 ] .
ولما ذكر في هذه السورة الحيوانات من الأنعام وغيرها ، التي يركبونها{[16339]} ويبلغون عليها حاجة في صدورهم ، وتحمل أثقالهم إلى البلاد والأماكن البعيدة والأسفار الشاقة - شرع في ذكر الطرق التي يسلكها الناس إليه ، فبين أن الحق منها ما هي موصلة إليه ، فقال : { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ } كما قال : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } [ الأنعام : 153 ] ، وقال : { هَذَا{[16340]} صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } [ الحجر : 41 ] .
قال مجاهد : في [ قوله ]{[16341]} : { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ } قال : طريق الحق على الله .
وقال السدي : { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ } قال : الإسلام .
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله : { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ } يقول : وعلى الله البيان ، أي : تبين{[16342]} الهدى والضلال{[16343]} .
وكذا روى علي بن أبي طلحة ، عنه ، وكذا قال قتادة ، والضحاك . وقولُ مجاهد هاهنا أقوى من حيث السياق ؛ لأنه تعالى أخبر أن ثم طرقًا تسلك إليه ، فليس يصل إليه منها إلا طريقُ الحق ، وهي الطريق{[16344]} التي شَرَعها ورضيها وما عداها مسدودة{[16345]} ، والأعمال فيها مردودة ؛ ولهذا قال تعالى : { وَمِنْهَا جَائِرٌ } أي : حائد{[16346]} مائل زائغ عن الحق .
قال ابن عباس وغيره : هي الطرق المختلفة ، والآراء والأهواء المتفرقة ، كاليهودية والنصرانية والمجوسية ، وقرأ ابن مسعود : " ومنكم جائر " .
ثم أخبر أن ذلك كله كائن عن قدرته ومشيئته ، فقال : { وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } كما قال : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا } [ يونس : 99 ] ، وقال : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ هود : 118 ، 119 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.