البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنۡهَا جَآئِرٞۚ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (9)

ويقال : لما ذكر الحيوان الذي ينتفع به انتفاعاً ضرورياً وغير ضروري ، أعقب بذكر الحيوان الذي لا ينتفع به غالباً على سبيل الإجمال ، إذ تفاصيله خارجة عن الإحصاء والعد ، والقصد مصدر يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه ، والسبيل هنا مفرد اللفظ .

فقيل : مفرد المدلول ، وأل فيه للعهد ، وهي سبيل الشرع ، وليست للجنس ، إذ لو كانت له لم يكن منها جائز .

والمعنى : وعلى الله تبين طريق الهدى ، وذلك بنصب الأدلة وبعثة الرسل .

وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المعنى : إنّ من سلك الطريق القاصد فعلى الله رحمته ونعيمه وطريقه ، وإلى ذلك مصيره .

وعلى أنّ للعهد يكون الضمير في قوله : ومنها جائر ، عائد على السبيل التي يتضمنها معنى الآية ، كأنه قيل : ومن السبيل جائر ، فأعاد عليها وإن لم يجر لها ذكر ، لأنّ مقابلها يدل عليها .

قال ابن عطية : ويحتمل أن يعود منها على سبيل الشرع ، وتكون مِن للتبعيض ، والمراد : فرق الضلالة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

كأنه قال : ومن بنيات الطرق في هذه السبيل ، ومن شعبها .

وقيل : أل في السبيل للجنس ، وانقسمت إلى مصدر وهو طريق الحق ، وإلى جائر وهو طريق الباطل ، والجائر العادل عن الاستقامة والهداية كما قال :

يجور بها الملاح طوراً ويهتدي . . .

وكما قال الآخر :

ومن الطريقة جائر وهدى . . . *** قصد السبيل ومنه ذو دخل

قسم الطريقة : إلى جائر ، وإلى هدى ، وإلى ذي دخل وهو الفساد .

وقال الزمخشري : ومعنى قوله : وعلى الله قصد السبيل إنّ هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه لقوله : { إن علينا للهدى } ( فإن قلت ) : لم غير أسلوب الكلام في قوله : ومنها جائر ؟ ( قلت ) : ليعلم بما يجوز إضافته إليه من السبيلين وما لا يجوز ، ولو كان كما تزعم المجبرة لقيل : وعلى الله قصد السبيل ، وعليه جائرها ، أو وعليه الجائر .

وقرأ عبد الله : ومنكم جائر يعني ومنكم جائر عن القصد بسوء اختياره ، والله بريء منه .

ولو شاء لهداكم أجمعين قسراً وإلجاء انتهى .

وهو تفسير على طريقة الاعتزال .

وقيل : الضمير في ومنها يعود على الخلائق أي : ومن الخلائق جائر عن الحق .

ويؤيده قراءة عيسى : ومنكم جائر ، وكذا هي في مصحف عبد الله ، وقراءة علي : فمنكم جائر بالفاء .

قال ابن عباس : هم أهل الملل المختلفة .

وقيل : اليهود والنصارى والمجوس .

ولهداكم : لخلق فيكم الهداية ، فلم يضل أحد منكم ، وهي مشيئة الاختيار .

وقال الزجاج : لفرض عليكم آية تضطركم إلى الاهتداء والإيمان .

قال ابن عطية : وهذا قول سوء لأهل البدع الذين يرون أن الله لا يخلق أفعال العباد ، لم يحصله الزجاج ، ووقع فيه رحمة الله من غير قصد انتهى .

ولم يعرف ابن عطية أنّ الزجاج معتزلي ، فلذلك تأول أنه لم يحصله ، وأنه وقع فيه من غير قصد .

وقال أبو علي : لو شاء لهداكم إلى الثواب ، أو إلى الجنة بغير استحقاق .

وقال ابن زيد : لو شاء لمحض قصد السبيل دون الجائر .

ومفعول شاء محذوف لدلالة لهداكم أي : ولو شاء هدايتكم .