السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنۡهَا جَآئِرٞۚ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (9)

ولما شرح الله تعالى دلائل التوحيد قال تعالى : { وعلى الله } أي : الذي له الإحاطة بكل شيء { قصد السبيل } أي : بيان الطريق المستقيم إنما ذكرت هذه الدلائل وشرحها إزاحة للعذر وإزالة للعلة ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة والمراد بالسبيل الجنس ولذلك أضاف إليها القصد . وقال : { ومنها } أي : السبيل { جائر } أي : حائد عن الاستقامة . فإن قيل : هذه الآية تدلّ على أنّ الله تعالى يجب عليه الإرشاد والهداية إلى الدين وإزاحة العلل والأعذار كما قال به المعتزلة لأنه تعالى قال : { وعلى الله قصد السبيل } . وكلمة على للوجوب . قال تعالى : { ولله على الناس حج البيت } [ آل عمران ، 97 ] أجيب : بأنّ المراد على الله تعالى بحسب الفضل والكرم أن يبين الدين الحق والمذهب الصحيح . فإن قيل : لم غير أسلوب الكلام حيث قال في الأوّل : { وعلى الله قصد السبيل } . وفي الثاني : { ومنها جائر } دون وعليه جائر ؟ أجيب : بأنّ المقصود بيان سبيله وتقسيم السبيل إلى القصد والجائر إنما جاء بالعرض . ثم قال تعالى : { ولو شاء } هدايتكم { لهداكم } إلى قصد السبيل { أجمعين } فتهتدون إليه باختيار منكم . قال الرازي : وهذا يدلّ على أنّ الله تعالى ما شاء هداية الكفار وما أراد منهم الإيمان لأنّ كلمة لو تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره .