فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنۡهَا جَآئِرٞۚ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (9)

{ وَعَلَى الله قَصْدُ السبيل } القصد : مصدر بمعنى الفاعل ، فالمعنى : وعلى الله قاصد السبيل ، أي : هداية قاصد الطريق المستقيم بموجب وعده المحتوم وتفضله الواسع ؛ وقيل : هو على حذف مضاف ، والتقدير : وعلى الله بيان قصد السبيل ، والسبيل : الإسلام ، وبيانه بإرسال الرسل وإقامة الحجج والبراهين . والقصد في السبيل هو كونه موصلاً إلى المطلوب ، فالمعنى : وعلى الله بيان الطريق الموصل إلى المطلوب { وَمِنْهَا جَائِرٌ } الضمير في { منها } راجع إلى السبيل بمعنى : الطريق ، لأنها تذكر وتؤنث . وقيل : راجع إليها بتقدير مضاف أي : ومن جنس السبيل جائر مائل عن الحق عادل عنه ، فلا يهتدي به ، ومنه قول امرئ القيس :

ومن الطريقة جائر وهدى *** قصد السبيل ومنه ذو دخل

وقيل : إن الطريق كناية عن صاحبها ، والمعنى : ومنهم جائر عن سبيل الحق : أي عادل عنه ، فلا يهتدي إليه ، قيل : وهم أهل الأهواء المختلفة ، وقيل : أهل الملل الكفرية ، وفي مصحف عبد الله " ومنكم جائر " ، وكذا قرأ عليّ ، { وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أجمعين } أي : ولو شاء أن يهديكم جميعاً إلى الطريق الصحيح ، والمنهج الحق لفعل ذلك ، ولكنه لم يشأ ، بل اقتضت مشيئته سبحانه إراءة الطريق ، والدلالة عليها { وهديناه النجدين } [ البلد : 10 ] ، وأما الإيصال إليها بالفعل ، فذلك يستلزم أن لا يوجد في العباد كافر ، ولا من يستحق النار من المسلمين ، وقد اقتضت المشيئة الربانية أنه يكون البعض مؤمناً ، والبعض كافراً كما نطق بذلك القرآن في غير موضع .

/خ9