فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنۡهَا جَآئِرٞۚ وَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (9)

{ وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ( 9 ) }

{ وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ } القصد مصدر بمعنى الفاعل فالمعنى وعلى الله هداية قاصد الطريق المستقيم بموجب وعده المحتوم وتفضله الواسع ، وقيل هو على حذف مضاف ، والتقدير وعلى الله بيان قصد السبيل ، والسبيل الإسلام وبيانه بإرسال الرسل وإنزال الكتب وإقامة الحجج والبراهين ، والقصد في السبيل هو كونه موصلا إلى المطلوب فالمعنى وعلى الله بيان الطرق الموصلة إلى المطلوب .

{ وَمِنْهَا } الضمير راجع إلى السبيل بمعنى الطريق لأنها تذكر وتؤنث أو لأنها في معنى سبل فأنث على معنى الجمع ؛ وقيل راجع إليها بتقدير مضاف أي ومن جنس السبيل { جَآئِرٌ } مائل عن الحق والجور والعدول عن الاستقامة ، وقيل إن الطريق كناية عن صاحبها ، والمعنى ومنهم جائر عن سبيل الحق أي عادل عنه فلا يهتدي إليه ، قيل وهم أهل الأهواء المختلفة ، وقيل أهل الملل الكفرية . فقصد السبيل هو دين الإسلام والجائر منها دين اليهودية والنصرانية وسائر ملل الكفر .

وقيل قصد السبيل السنة المطهرة والجائر البدع المحدثة المضلة . قال ابن عباس : على الله أن يبين الهدى والضلالة ومنها جائر ، قال السبل المتفرقة ، وقال قتادة : وعلى الله بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته ومنها جائر ، قال من السبل ناكب عن الحق . وعن علي كان يقرأ ومنكم جائر .

{ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } أي لو شاء أن يهديكم جميعا هداية موصلة إلى الطريق الواضح الصحيح والمنهج الحق الصريح لفعل ذلك ولكنه لم يشأ بل اقتضت مشيئته سبحانه إراءة الطريق والدلالة عليها كما قال وهديناه النجدين ، وأما الإيصال إليها بالفعل فذلك يستلزم أن لا يوجد في العباد كافر ، ولا من يستحق النار من المسلمين وقد اقتضت المشيئة الربانية بكون البعض مؤمنا والبعض كافراكما نطق بذلك القرآن في غير موضع .