المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِن يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ إِنَٰثٗا وَإِن يَدۡعُونَ إِلَّا شَيۡطَٰنٗا مَّرِيدٗا} (117)

117- وإن من أظهر مظاهر الضلال الذي بَعُد به عن الحق الشرك بالله ، إنه يعبد ما لا يسمع ولا يبصر ، ولا يضر ولا ينفع ، ويُسَمَّى آلهته الباطلة بأسماء الإناث ، كاللات والعزى ومناة ، وغيرها من الأسماء المؤنثة ، وإنه يتبع بهذه العبادة الشيطان .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِن يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ إِنَٰثٗا وَإِن يَدۡعُونَ إِلَّا شَيۡطَٰنٗا مَّرِيدٗا} (117)

قوله تعالى : { إن يدعون من دونه إلا إناثا } ، نزلت في أهل مكة ، أي : ما يعبدون ، كقوله تعالى : { وقال ربكم ادعوني } [ غافر :60 ] أي : اعبدوني ، بدليل قوله تعالى : { إن الذين يستكبرون عن عبادتي } [ غافر :60 ] .

قوله تعالى :{ من دونه } أي : من دون الله .

قوله تعالى : { إلا إناثا } . أراد بالإناث الأوثان ، لأنهم كانوا يسمونها باسم الإناث ، فيقولون : اللات ، والعزى ، ومناة ، وكانوا يقولون لصنم كل قبيلة : أنثى بني فلان ، فكان في كل واحدة منهن شيطان يتراءى للسدنة والكهنة ، ويكلمهم ، ولذلك قال : { وإن يدعون إلا شيطاناً مريدا } . هذا قول أكثر المفسرين يدل على صحة هذا التأويل ، وإن المراد بالإناث الأوثان : قراءة ابن عباس رضي الله عنه { إن يدعون من دونه إلا إناثا ) جمع الوثن ، فصير الواو همزة . وقال الحسن ، وقتادة : إلا إناثاً أي : مواتاً . لا روح فيه ، لأن أصنامهم كانت من الجمادات ، سماها إناثاً لأنه يخبر عن الموات ، كما يخبر عن الإناث ، ولأن الإناث أدون الجنسين ، كما أن الموات أرذل من الحيوان ، وقال الضحاك : أراد بالإناث الملائكة ، وكان بعضهم يعبدون الملائكة ويقولون : الملائكة إناث ، كما قال الله تعالى : { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً } [ الزخرف :19 ]

قوله تعالى : { وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً } أي : وما يعبدون إلا شيطاناً مريداً ، لأنهم إذا عبدوا الأصنام فقد أطاعوا الشيطان ، والمريد : المارد ، وهو المتمرد العاتي ، الخارج عن الطاعة ، وأراد : إبليس .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِن يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ إِنَٰثٗا وَإِن يَدۡعُونَ إِلَّا شَيۡطَٰنٗا مَّرِيدٗا} (117)

114

ثم يصف بعض أوهام الجاهلية العربية في شركها . وأساطيرها حول اتخاذ الله بنات - هن الملائكة - وحول عبادتهم للشيطان - وقد عبدوه كما عبدوا الملائكة وتماثيلها الأصنام - كما يصف بعض شعائرهم في تقطيع أو تشقيق آذان الأنعام المنذورة للآلهة ! وفي تغييرهم خلق الله . والشرك بالله . وهو مخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها :

( إن يدعون من دونه إلا إناثا ، وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ، لعنه الله وقال : لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ، ولأضلنهم ، ولأمنينهم ، ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ؛ ولآمرنهم فليغيرن خلق الله . . ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا . يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) .

لقد كان العرب - في جاهليتهم - يزعمون أن الملائكة بنات الله . ثم يتخذون لهذه الملائكة تماثيل يسمونها أسماء الإناث : " اللات . والعزى . ومناة " وأمثالها ثم يعبدون هذه الأصنام - بوصفها تماثيل لبنات الله - يتقربون بها إلى الله زلفى . . كان هذا على الأقل في مبدأ الأمر . . ثم ينسون أصل الأسطورة ، ويعبدون الأصنام ذاتها ، بل يعبدون جنس الحجر ، كما بينا ذلك في الجزء الرابع .

كذلك كان بعضهم يعبد الشيطان نصا . . قال الكلبي : كانت بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن . .

على أن النص هنا أوسع مدلولا ، فهم في شركهم كله إنما يدعون الشيطان ، ويستمدون منه : هذا الشيطان صاحب القصة مع أبيهم آدم ؛ الذي لعنه الله ، بسبب معصيته وعدائه للبشر . والذي بلغ من حقده بعد طرده ولعنته ، أن يأخذ من الله - سبحانه - إذنا بأن يغوي من البشر كل من لا يلجأ إلى حمى الله :

( إن يدعون من دونه إلا إناثا . وإن يدعون إلا شيطانا مريدا . لعنه الله . وقال : لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا . ولأضلنهم ، ولأمنينهم ، ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ، ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ) .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِن يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ إِنَٰثٗا وَإِن يَدۡعُونَ إِلَّا شَيۡطَٰنٗا مَّرِيدٗا} (117)

الضمير في { يدعون } عائد على من تقدم ذكره من الكفرة في قوله : { ومن يشاقق الرسول } [ النساء : 115 ] { إن } نافية بمعنى «ما » ويدعون عبارة مغنية موجزة في معنيي : يعبدون ويتخذون آلهة ، وقرأ أبو رجاء العطاردي «إن تدعون » بالتاء من فوق ، ورويت عن عاصم ، واختلف في معنى «الإناث » فقال أبو مالك والسدي وغيرهما : ذلك لأن العرب كانت تسمي أصنامها بأسماء مؤنثة ، فاللات والعزى ومناة ونائلة .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق : ويرد على هذا أنها كانت تسمي بأسماء مذكرة كثيرة ، وقال الضحاك وغيره : المراد ما كانت العرب تعتقده من تأنيث الملائكة وعبادتهم إياها ، فقيل لهم هذا على جهة إقامة الحجة من فاسد قولهم ، وقال ابن عباس والحسن وقتادة : المراد : الخشب والحجارة وهي مؤنثات لا تعقل ، فيخبر عنها كما يخبر عن المؤنث من الأشياء فيجيء قوله : { إلا إناثاً } عبارة عن الجمادات ، وقيل : إنما هذا لأن العرب كانت تسمي الصنم أنثى فتقول : أنثى بني فلان .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا على اختلافه يقضي بتعييرهم بالتأنيث وأن التأنيث نقص وخساسة بالإضافة إلى التذكير ، وقيل معنى { إناثاً } أوثاناً ، وفي مصحف عائشة «إن يدعون من دونه إلا أوثاناً » وقرأ ابن عباس فيما روى عنه أبو صالح «إلا أنثاً » يريد وثناً ، فأبدل الهمزة واواً ، وهو جمع جمع على ما حكى بعض الناس ، كأنه جمع وثناً على وثان ، كجمل وجمال ، ثم جمع وثاناً على وثن كرهان ورهن وكمثال ومثل .

قال القاضي أبو محمد : وهذا خطأ ، لأن فعالاً في جمع فعل إنما هو للتكثير والجمع الذي هو للتكثير لا يجمع وإنما تجمع جموع التقليل ، والصواب أن تقول وثن جمع وثن دون واسطة ، كأسد وأسد ، قال أبو عمرو : وبهذا قرأ ابن عمر وسعيد بن المسيب ومسلم بن جندب وعطاء ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «إلا وَثنَاً » بفتح الواو والثاء على إفراد اسم الجنس وقرأ ابن عباس أيضاً «وُثُناً » بضم الواو والثاء وقرأت فرقة «إلا وثنَاً وقرأت فرقة » إلا أثناً «بسكون الثاء ، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم » إلا أنثاً «بتقديم النون وهو جمع أنيث كغدير وغدر ونحو ذلك ، وحكى الطبري : أنه جمع إناث كثمار وثمر ، وحكى هذه القراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو عمرو الداني ، قال : وقرأ بها ابن عباس وأبو حيوة والحسن . واختلف في المعنى ب » الشيطان «فقالت فرقة : هو الشيطان المقترن بكل صنم ، فكأنه موحد باللفظ جمع بالمعنى ، لأن الواحد يدل على الجنس ، وقال الجمهور : المراد إبليس وهذا هو الصواب ، لأن سائر المقالة به تليق ، و { مريداً } معناه عاتياً صليباً في غوايته ، وهو فعيل من مرد : إذا عتا وغلا في انحرافه وتجرد للشر والغواية .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِن يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ إِنَٰثٗا وَإِن يَدۡعُونَ إِلَّا شَيۡطَٰنٗا مَّرِيدٗا} (117)

كان قوله : { إن يدعون } بياناً لقوله : { فقد ضلّ ضلالاً بعيداً } [ النساء : 116 ] ، وأي ضلال أشدّ من أن يشرك أحد بالله غيرَه ثم أن يَدّعي أنّ شركاءه إناث ، وقد علموا أنّ الأنثى أضعف الصنفين من كلّ نوع . وأعجب من ذلك أن يَكون هذا صادراً من العرب ، وقد علم الناس حال المرأة بينهم ، وقد حَرَمُوها من حقوق كثيرة واستضعفوها . فالحصر في قوله : { إن يدعون من دونه إلا إناثاً } قصر ادّعائي لأنّه أعجبُ أحوال إشراكهم ، ولأنّ أكبر آلهتهم يعتقدونها أنثى وهي : اللاّت ، والعُزّى ، ومَنَاة ، فهذا كقولك لا عالم إلاّ زيد . وكانت العزّى لقريش ، وكانت مناة للأوس والخزرج ، ولا يخفى أنّ معظم المعاندين للمسلمين يومئذ كانوا من هذين الحيّين : مشركو قريش هم أشدّ الناس عداء للإسلام : ومنافقوا المدينة ومشركوها أشدّ الناس فتنة في الإسلام .

ومعنى { وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً } أنّ دعوتهم الأصنام دعوة للشيطان ، والمراد جنس الشيطان ، وإنما جعلوا يدعون الشيطان لأنه الذي سوّل لهم عبادة الأصنام . والمَريد : العاصي والخارج عن المَلِك ، وفي المثل « تمرّد مارد وعزّ الأبلق » اسما حصنين للسموأل ، فالمريد صفة مشبّهة مشتقّة من مردُ بضم الراء إذا عتا في العصيان .